التاريخ : الثلاثاء 19-03-2024

الحملة الشعبية لحرية القائد مروان البرغوثي: تحذر من خطورة الاعتداءات المتكررة على القائد البرغوثي    |     فتوح: الهجوم على مستشفى الشفاء رد واضح من نتنياهو على المواقف الدولية المطالبة بوقف الحرب    |     الخارجية: نتنياهو يسمح لبن غفير وسموتريتش باستباحة الضفة لإطالة أمد بقائه في الحكم    |     الرئيس يهنئ بوتين بإعادة انتخابه رئيسا لجمهورية روسيا الاتحادية    |     اشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي مهما كانت جنسيته على أرض غزة    |     الشيخ يطالب بوقف الإجراءات القمعية بحق الأسير القائد مروان البرغوثي    |     أوكسفام: إسرائيل تتعمد منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    |     "الخارجية" تحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية كاملة عن حياة الطواقم الطبية والنازحين في الشفاء ومحيط    |     فارس: تصعيد خطير وغير مسبوق ضد الأسرى منذ بداية شهر رمضان    |     في اليوم الـ164 من العداون: ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 31,726    |     الاحتلال يجرف 15 دونما ويقتلع 150 شجرة زيتون في حوسان غرب بيت لحم    |     بوريل: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحا وتتسبب بمجاعة في غزة    |     "مركزية فتح" تحمل الاحتلال المسؤولية كاملة عن حياة القائد الأسير مروان البرغوثي    |     "التعاون الإسلامي" تدين الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في المسجد الأقصى    |     الاتحاد الأوروبي يرحب بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الجديدة    |     رئيس الوزراء الهولندي يرحب بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الجديدة    |     ألمانيا ترحب بتكليف الدكتور محمد مصطفى رئيسا للوزراء وتعبر عن استعدادها لدعم الحكومة أمام مهمتها الص    |     80 ألفا يؤدون صلاة الجمعة الأولى من "رمضان" في المسجد الأقصى    |     "الخارجية" تدين منع الاحتلال آلاف المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى    |     الاحتلال يمنع آلاف المصلين من الوصول للمسجد الأقصى في الجمعة الأولى من رمضان    |     الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة بحق مواطنين كانوا ينتظرون المساعدات في غزة    |     "الخارجية": مجزرة دوار الكويت أمس تؤكد للدول المتحضرة أن أسلحتها تقتل المدنيين الفلسطينيين    |     استراليا تعلن استئناف تمويل "الأونروا"    |     منصور يطالب مسؤولين أممين بإجراء دولي عاجل لوقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على شعبنا
الإنتفاضات الفلسطينية الكبرى

الإنتفاضات الفلسطينية الكبرى

ثورة البُراق 1929


البراق هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف وقد كان ادعاء اليهود بملكيته سبباً في التوتر الذي نجمت عنه اضطرابات عنيفة في آب من عام 1929 بين العرب واليهود في القدس، وفي أنحاء عديدة من فلسطين وهو ما عرف بـ "ثورة البراق".

لا يوجد مكان على الأرض تتنازعه مشاعر المسلمين وأتباع اليهودية مثلما هو الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، فهو يمثل بالنسبة لليهود آخر ما تبقى من هيكل سليمان، الذي يهوي إليه فؤاد اليهودي منذ أن دمر الرومان الهيكل عام 70م وشتتوا عباده في كل اتجاه، وهو المكان الذي ركن إليه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) البراق المجنح الذي حمله من مرقده في إسرائه ومعراجه إلى السماء مروراً ببيت المقدس. يسميه اليهود "حائط المبكى"- حائط البكاء على ما حل بهيكلهم وأسلافهم، ويسميه المسلمون "حائط البراق".

 

لأكثر من ألف عام، كان الحائط وما جاوره جزءاً من الحرم القدسي الشريف، وقفاً إسلامياً خالصاً، إلا أن اليهود وبعد محاولات متكررة، استطاعوا أن ينتزعوا من الباب العالي -السلطة العثمانية آنذاك- فَرَماناً يبيح لهم الصلاة عنده وإقامة شعائرهم أمامه، شريطة عدم الإخلال بالوضع القائم واستفزاز مشاعر غيرهم من الطوائف التي تسكن المكان.

حافظت سلطات الانتداب البريطاني، التي ورثت إدارة فلسطين بعد الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى على الحالة القائمة في الأماكن المقدسة استناداً إلى المادة (12) من صك الانتداب، إلا أن اليهود أخذوا ومنذ انحسار السلطة العثمانية المسلمة، يقومون بمحاولات ترمي إلى تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة وكان مسعاهم في ذلك يهدف إلى تحقيق سيطرة يهودية طالما حلموا بها، على الحرم القدسي الشريف.

 كانت المحاولات اليهودية الأولى في هذا السياق يوم 24/9/1928م حين جلبوا تجاوزاً للعرف معدات احتفالهم بيوم الغفران، ووضعوا ستاراً يفصل الرجال عن النساء ونفخوا في الأبواق، الأمر الذي أثار حفيظة المسلمين وهواجسهم ومخاوفهم واعتبروا ذلك مجرد مقدمة لاستملاك اليهود للمسجد الأقصى، فألفوا "جمعية حراس المسجد الأقصى" وقرروا الدفاع عن مكانهم المقدس، وكان ذلك بداية لاندلاع هبة البراق، التي شهدت أيام الأسبوع الأخير من آب(أغسطس) 1929م وقائعها الدامية.

كرر اليهود محاولاتهم بإحضار معدات للاحتفال عند حائط البراق يوم 14/8/1929م، فهاجمت جموع المسلمين ما حدا بسلطات الانتداب لأمر اليهود بنزع الستار الذي وضعوه تجاوزاً، فرفضوا الانصياع، وقامت جمهرة من الشباب اليهود بقيادة أقلية متطرفة قدموا من تل أبيب في اليوم التالي بمسيرة لم يسبق لها مثيل حتى ذلك الحين، عبروا شوارع القدس وحين وصلوا حائط المبكى/ البراق رفعوا العلم الصهيوني، وبدءوا بترديد النشيد القومي الصهيوني (الهاتكفا) وشتموا المسلمين.

 في اليوم التالي، 16 آب 1929م (وصادف أن كان يوم المولد النبوي الشريف) انطلقت بعد صلاة الظهر من المسجد الأقصى تظاهرة عارمة سار فيها آلاف الغاضبين حتى حائط البراق. وهناك ألقى فيهم احد شيوخ الأقصى خطاباً حماسياً أجج المشاعر، فحطم المتظاهرون منضدة لليهود كانت على الرصيف وأحرقوا قصاصات كتبت عليها نذور وتمنيات وضعت في ثقوب الجدار، وتعذرت محاولات القائم بأعمال الحكومة لتهدئة الوضع ووقف التدهور بسبب غياب زعماء اليهود عن البلاد.

تفاقم الوضع في اليوم التالي 17 آب حين تحول شجار نشب بين شاب يهودي وآخر فلسطيني إلى عراك أسفر عن إصابة أحد عشر شاباً من الطرفين بجروح مختلفة، وحين وصلت قوة البوليس إلى المكان هاجمتها جمهرة اليهود فأصيب فلسطيني وأحد أفراد قوة البوليس بجروح خطيرة اعتدى بعدها اليهود على بيوت العرب في الأحياء المجاورة، وجرحوا بعض سكانها.

وفاة الشاب اليهودي الذي أصيب في شجار السابع عشر من الشهر أثارت اليهود فحولوا جنازته يوم 20 آب إلى تظاهرة سياسية صاخبة ضد الحكومة وضد الفلسطينيين على حد سواء، ما دفع الحكومة إلى استقدام عدد من المصفحات المرابطة في شرقي الأردن ووضعتها في مدينة الرملة، على الطريق بين تل أبيب والقدس تحسباً لتفاقم الأوضاع.

 ويشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف بطول حوالي (47 مترا وارتفاع حوالي 17 مترا)، ولم يتخذه اليهود مكانا للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور وعد بلفور العام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءا من الهيكل اليهودي، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال الدولة اليهودية قصيرة الأجل في العصور الغابرة.

وجاء في الموسوعة اليهودية الصادرة عام 1917، أن الحائط الغربي أصبح جزءاً من التقاليد الدينية اليهودية حوالي عام 1520 للميلاد نتيجة للهجرة اليهودية من إسبانيا وبعد الفتح العثماني عام 1517.

 وفي عهد الانتداب البريطاني على فلسطين زادت زيارات اليهود لهذا الحائط حتى شعر المسلمون بخطرهم، ووقعت ثورة البراق بتاريخ 23/8/1929م. استشهد فيها العشرات من المسلمين وقتل فيها عدد كبير من اليهود واتسعت حتى شاركت فيها عدد من المدن الفلسطينية وتمخضت الأحداث عن تشكيل لجنة دولية لتحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الأسبق "أليل ولفغرن" وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري "تشارلز بارد"، وبعد تحقيق قامت به هذه اللجنة، واستماعها إلى وجهتي النظر العربية والإسلامية، وضعت تقريراً في عام 1930، قدمته إلى عصبة الأمم المتحدة أيدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق/ المبكى.

 وفضلاً عن الاستعدادات العسكرية الميدانية، قامت الحكومة يوم 22 آب، بهدف التهدئة، بعقد اجتماع ضم ثلاثة من زعماء العرب البارزين وثلاثة من نظرائهم اليهود. وحسب تقرير المندوب السامي إلى وزير المستعمرات "كان الاجتماع وديا".. وتم الاتفاق على استئنافه في السادس والعشرين من آب إلا أن الود الذي ساد اجتماع زعماء العرب بزعماء اليهود في منزل المستر لوك، مندوب الحكومة كان صداه في الشارع الغليان والمشاعر الملتهبة والشكوك المتبادلة.

 وكان نهار الثالث والعشرين من آب 1929 حاراً، لا يضاهي حرارته سوى سخونة مشاعر القرويين العرب الذين تدفقوا إلى القدس مسلحين بالهراوات والسيوف، وأصدر احد ضباط البوليس في أحد أحياء المدينة أمرا بتجريد القرويين من أسلحتهم إلا أن رئيسه سارع إلى إلغاء الأمر بحجة عدم وجود عدد كاف من البوليس البريطاني لتنفيذ هذا الأمر، وساهم هذا الإجراء في تمهيد الطريق أمام الأحداث لتتجه نحو ذروتها الدامية.

بعد أداء صلاة الجمعة هاجم العرب الضواحي التي يسكنها يهود، فكانت نيران البوليس البريطاني لهم بالمرصاد، وحلقت الطائرات في سماء المدينة، فيما تحركت السيارات المصفحة في مدينة الرملة نحو المدينة المقدسة، وسرعان ما عم الهدوء وخلت الشوارع في البلدة القديمة، وبين الفينة والفينة كان يسمع صدى إطلاق نار، حيث استمرت الغارات العربية على القرويين اليهود في مناطق تقع على بعد أميال من القدس.

عمت أخبار ما جرى في القدس أرجاء المدن والبلدات العربية فانطلقت الجماهير في مسيرات غاضبة اتجه بعضها في غارات على أحياء اليهود، وبعضها إلى مراكز حكومة الانتداب والبوليس البريطاني. ففي نابلس ونظراً لخلو المدينة من أحياء يهودية تشكل هدفا للغضب الشعبي، اتجهت الجماهير الساخطة إلى مركز للبوليس وقامت بمحاولات مستميتة لانتزاع سلاح القوة الشرطية هناك، فنشبت اضطرابات عنيفة بسبب إطلاق البوليس النار على الجمهور.

 ونشبت اضطرابات في الحي القديم من حيفا تخللتها غارات على "هدار هاكرمل" ضاحية حيفا اليهودية الشهيرة.

في بيسان شن المتظاهرون العرب هجوماً على اليهود القاطنين في المدينة، وفي يافا أسفر غليان الشارع العربي عن شن هجمات عدة على مستعمرات يهودية، واستطاعت قوة من البوليس البريطاني أطلقت النار على الجمهور اليافاوي الغاضب صد هجوم على الحي اليهودي الواقع بين يافا وتل أبيب. إلا أن سكان هذا الحي هاجموا العرب وقتلوا ستة مواطنين على رأسهم إمام احد المساجد. ووقع هجوم يهودي آخر على مسجد عكاشة في القدس، وانتهكوا حرمة هذا المسجد القديم الذي ينظر إليه السلمون باحترام بالغ ودنسوا أضرحة الأنبياء التي يضمها.

وبلغت الأحداث ذروة عنفوانها في مدينة الخليل، فما أن وصلت أنباء ما جرى في القدس حتى قام المتظاهرون بمسيرات صاخبة، وهاجموا مدرسة يهودية وقتلوا شاباً فيها، وفي اليوم التالي هاجم عرب الخليل الحي اليهودي في المدينة ومنازل اليهود المتفرقة البعيدة عن مركز المدينة، وأسفرت الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن ستين يهودياً وجرح أكثر من خمسين، وفي صفد هاجم العرب حياً يهودياً وقتلوا وجرحوا نحو خمسة وأربعين يهودياً، وأضرموا النار في عدة منازل وحوانيت تعود لليهود.

 بعد أيام هزت فلسطين أخذت الأحوال تتجه نحو الهدوء، وأسفرت أحداث ثورة البراق وهي أول ثورة تشتعل في فلسطين ضد الوجودين الصهيوني والبريطاني عن سقوط 133 قتيلاً يهودياً وجرح 339 بينهم 198 إصابة خطيرة. فيما بلغ عدد القتلى العرب 116 وعدد الجرحى 232 جريحاً وذلك حسب (تقرير شو) الذي اعترف بان معظم إصابات العرب كانت على أيدي القوات البريطانية.

شكلت أحداث ثورة البراق تحولاً في العلاقات العربية البريطانية في فلسطين، ففي الوقت الذي اتجهت فيه احتجاجات سكان فلسطين العرب نحو الوجود اليهودي ونزعته التوسعية بالتحديد متفادية الاصطدام بالقوات البريطانية، سقط هؤلاء السكان ضحايا برصاص البوليس البريطاني الذي كان يشكل حماية منيعة لليهود. كما شكلت ثورة البراق نقطة تحول في سلوك حكومة الانتداب إزاء العرب، وبات العداء صريحاً يتجلى في ممارسات القمع الموجهة ضد العرب تحديداً. فعلى الرغم من أن تقرير لجنة شو عزا أسباب الإضرابات إلى خيبة أماني العرب السياسية والوطنية وخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي وخشيتهم من سيطرة اليهود السياسية بسبب الهجرة اليهودية المتزايدة، إلا أن السلطات زجت في السجون بالكثير من النشطاء العرب وأصدرت المحاكم البريطانية في فلسطين أحكاماً بالإعدام على عشرين عربيا تحول الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد باستثناء ثلاثة منهم (عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي) الذين واجهوا الشنق في سجن عكا يوم الثلاثاء 17 حزيران 1930 بشجاعة ورجولة خلدها الشاعر إبراهيم طوقان في رائعته الشعرية الثلاثاء الحمراء. أما اليهود فقد حكم على واحد منهم فقط بالإعدام ثم خفض إلى عشرة أعوام وأطلق سراحه بعدما لبث فترة يسيرة منها.

إضافة إلى ذلك أصدرت المحاكم أحكاماً مختلفة بالسجن على 800 عربي وفرضت على بعض المدن العربية غرامات باهظة تمت جبايتها بشتى أنواع الإرهاب والتعسف وذلك تطبيقاً لقانون العقوبات الجماعية وكان العرب وحدهم من تأثر بهذا القانون.

 من ناحية أخرى أوصت لجنة شو بإرسال لجنة أخرى لتحديد الحقوق في حائط البراق ووافقت جمعية عصبة الأمم في 14/1/1930 على إرسال اللجنة. وقد خلصت اللجنة إلى عدة استنتاجات أهمها أن ملكية الحائط الغربي تعود للمسلمين وحدهم ولهم الحق وحدهم فيه لأنه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وتعود لهم أيضا ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لأن ذلك الرصيف وقف.

 ------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، 2008.

 

ثورة 1936

 

الثورة الفلسطينية الكبرى

هي الثورة الفلسطينية الكبرى التي انطلقت في 20 نيسان 1936 وامتدت حتى عام 1939، وهي تتميز عن الثورات التي قامت ما بين 1920 و1933، إذ أن جميع ما عرف بالثورات الفلسطينية قبل ثورة 1936 لم يكن أكثر من هبات أو انتفاضات، أما ثورة 1936 فقد توافرت لها شروط الثورة هدفاً وأداة وأسلوبا، وهي تمثل محطة بارزة في حركة النضال الوطني الفلسطيني ضد الصهيونية والاستعمار البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر، فهي نقلة نوعية في توجهات هذا النضال بعد حالة الوهن العام التي اعترت الحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب هبة البراق عام 1929).

 بدأت ثورة 1936 بطريقة شبه عفوية ما لبث أن استقطبت الشعب على نحو غير مسبوق، على أهداف وقف الهجرة اليهودية، ومنع بيع الأراضي واغتيال باعة الأرض والسماسرة والجواسيس والتصدي لمشروع التقسيم الذي كانت بريطانيا تمهد لتنفيذه، وصيانة عروبة فلسطين والحفاظ على أراضيها ومنع تهويدها، وإعلان استقلالها في وحدة عربية شاملة.

لجأت الثورة إلى الكفاح المسلح أسلوبا، لانتزاع حقوقها من الاستعمار البريطاني، ولم تتوقف إلا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، لأسباب ذاتية، وأسباب تتعلق بالتدخل العربي الرسمي لإنهاء الإضراب، والتحالف الفرنسي البريطاني عشية عام 1939.

 عوامل اندلاع الثورة:

اضطرت القيادة الفلسطينية إلى اللجوء إلى الثورة كخيار الشعب الوحيد نتيجة تطورات الأحداث بعد هبة البراق 1929، وكانت هذه التطورات والأحداث تشكل خطراً كبيراً على الوجود العربي في فلسطين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ومن هذه التطورات ما يلي:

 * القيادة والمؤسسات التقليدية التي أدت إلى ضعف الحركة الوطنية لفلسطينية، وخصوصاً بعد وفاة رئيس اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني وحل اللجنة والشروع في تجربة "القيادة من خلال الأحزاب" التي كانت مظهراً جديدا للعشائرية والإقطاعية السياسية، وقد ساعدت في ذلك سياسة المندوب السامي البريطاني الجديد واكهوب.

* ثورة الشيخ عز الدين القسام 1935: تجسد فيها الإيمان بعدم جدوى العمل السياسي وأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد لبلوغ الأهداف الوطنية، وقد أيقظت هذه الثورة الشعب الفلسطيني وأشعلت في نفسه الحماسة للجهاد.

* التحركات الوطنية والقومية العربية: تمثلت في حصول العراق على شبه استقلال بمعاهدة عام 1930 التي ألغت الانتداب، واضطرابات مصر المطالبة بإعادة الدستورعام1923، وإضراب سوريا في 1936 بهدف إلغاء الانتداب.

* الأعداد المتزايدة في الهجرة اليهودية: حيث وصلت عشية ثورة الـ36 إلى نحو 40 ألف مهاجر، واستمرار الهجرة السرية إلى فلسطين مع تغاضي الحكومة البريطانية عنها والتستر عليها وحمايتها، ورفض مجلس العموم البريطاني مطلب العرب بوقف الهجرة اليهودية في آذار (مارس) 1936.

* استيلاء الصهاينة على الأراضي الفلسطينية وسن الأنظمة والقوانين من قبل الحكومة البريطانية لتسهيل عملية الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلاحين وتحولهم إلى عمال يعانون من البطالة. حيث ازدادت الطبقة العمالية بمن تحول إليها من الفلاحين الذين جردوا من أراضيهم ولم يجدوا عملاً، فانتشرت البطالة، وضاعف من حدتها "مبدأ العمل العبري" و "امتلاك العمل" الذي أخذ به الصهاينة، وتفضيل السلطات البريطانية لتلزم العمل إلى مقاولين صهاينة حتى في بعض المناطق العربية، وتدني أجور العمال العرب في مقابل العمال الصهاينة في المهنة الواحدة، وارتفاع الضرائب على ملكية الأراضي من 9% إلى 15%، أما الفلاح فقد كان يدفع 25% من صافي دخله ضرائب في السنوات العجاف.

* نمو الوضع العسكري للصهاينة: حيث تمت إعادة تنظيم "الهاغاناه" بعد هبّة البراق، من حيث العدد وتوسيع المهمات، والعدوان من قبل المستوطنين على المدن والقرى المجاورة واقتراف أعمال إرهابية إجرامية ضد العرب، وتصنيع السلاح واستيراده بكميات وفيرة بشكل سري وتوزيعه على المدن والمستعمرات الصهيونية.

 الإضراب العام وإعلان الثورة:

في هذه الأجواء المشحونة بالتوتر، حدثت الشرارة التي أشعلت الثورة. فقد قتلت مجموعة مسلحة في 15 نيسان (ابريل) 1936 بالقرب من عنبتا بين طولكرم ونابلس يهوديين وجرحت ثالثاً، كانوا في طريقهم إلى "تل أبيب" وفي اليوم التالي قتل عربيان على أيدي "الهاغاناه" في بيارة بالقرب من يافا، واشتد التوتر في منطقة يافا- تل ابيب، فوقعت صدامات عنيفة بين العرب واليهود خصوصاً في الأحياء المختلطة، وأحرقت عشرات البيوت والحوانيت، وقتل يهودي وجرح نحو خمسين. بعد ثلاثة أيام من الصدامات سيطرت الحكومة البريطانية على الوضع وفرضت حظر التجول على المدينتين وجوارهما وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد، وأعلنت يافا الإضراب العام وتبعتها مدن وقرى فلسطين وبادر زعماء المدن والقرى على اختلاف مشاربهم وفئاتهم إلى إنشاء اللجان القومية وضمت هذه اللجان ممثلين عن جميع الأحزاب والطوائف والفئات.

 في 25 نيسان (ابريل) - وكان الإضراب العام ما زال قائماً - عقدت اللجان القومية مؤتمراً عاماً لها في القدس، وقرر هذا المؤتمر تشكيل قيادة مركزية للحركة الوطنية مقرها القدس، فتألفت "اللجنة العربية العليا لفلسطين" برئاسة أمين الحسيني وعضوية ممثلي الأحزاب الفلسطينية جميعها، وممثلين عن المستقلين، واتخذت "اللجنة العربية العليا" القرار التالي وأعلنته على الشعب: "دعوة الشعب العربي الفلسطيني إلى مواصلة الإضراب العام حتى تبدل الحكومة البريطانية سياستها وتغير مواقفها، وأن تكون البادرة الأولى لهذا التبديل وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ولقد كان متفقاً أن يتأخر إعلان الثورة المسلحة بعض الوقت وأن تركز الجهود على الإضراب واستمراره.

رفضت بريطانيا على الرغم من اشتداد الإضراب طلب العرب بوقف الهجرة اليهودية كما أعلنته اللجنة العربية العليا لفلسطين، وقامت بتحديهم بإصدار شهادة هجرة جديدة قدمتها للوكالة اليهودية لإحضار أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فلسطين.

ورداً على هذا التحدي قرر القادة الفلسطينيون إعلان الثورة المسلحة، وتنفيذاً لهذا القرار أعلن "جيش الجهاد المقدس" الثورة المسلحة على الأعداء (مكون من جميع التشكيلات والمنظمات العسكرية السرية ومن انضم إليها فيما بعد، وقد اختير لقيادته عبد القادر الحسيني) وشرع المجاهدون يهاجمون ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات اليهودية، ويدمرون طرق المواصلات ويهاجمون قوافل الأعداء وتجمعاتهم. اقتصرت أعمال الثورة في أيامها الأربعة الأولى على لواء القدس وحده لكنها ما لبثت في اليوم الخامس أن عمت أنحاء فلسطين في المدن والقرى والبادية.

 بدأت العمليات في البداية في المدن وانتشرت فيها، حيث انتشرت في يافا، ونابلس، والقدس، وطبريا وحيفا وصفد، فاستفزت قوات الاحتلال في المدن التي أصبحت في اشتباك دائم مع الخلايا المقاتلة وركزت نشاطها في نابلس والقدس ويافا حيث كانت الخلايا الثورية نشطة فحشدت لهم قوات كبيرة من الجيش نتيجة لذلك تحول الثوار إلى الريف وانضموا إلى الجماعات الثورية التي كانت تعمل هناك، ولم تكن هذه المجموعات موحدة وكان منها تنظيم القسام مثل فرحان السعدي الذي عمل في منطقة جنين وألقي القبض عليه في قرية نورس وتم إعدامه وهو في الخامسة والسبعين من العمر عام 1937، وعشرات من المجموعات الأخرى المحلية، التي عملت على تشكيل مجموعة مسلحة في كل قرية ومدينة.

 طرأ تطور في الميدان بدخول فوزي القاوقجي وقواته إلى منطقة المثلث وتدفق المتطوعون من الأردن وسوريا ولبنان وانضموا إلى الجهاد المقدس ونتيجة لذلك تحولت الثورة في شهرها الثالث إلى معارك مكشوفة مع القوات البريطانية في شتى أنحاء فلسطين.

استهدفت المقاومة حركة النقل العامة والمواصلات السلكية وسدت الطرق ونسفت الجسور وخطوط السكك الحديدية، وكذلك خط النفط الواصل بين العراق وحيفا وأخذت المجموعات السرية داخل المدن تغتال الموظفين البريطانيين وضباط الجيش والشرطة والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة وتلقي المتفجرات على الدوائر الحكومية وحقق الثوار انتصارات في العديد من المعارك وأصبحت هذه الهجمات ظاهرة مألوفة في "مثلث الرعب" كما سماه الجنود البريطانيون إشارة إلى المنطقة الواقعة بين نابلس وجنين وطولكرم، كما وقعت معارك كبيرة في مرج ابن عامر ووادي عزون وبابا الواد، سقط فيها العديد من الشهداء والجنود البريطانيين.

أثبتت الثورة أنها عصيه على السحق العسكري وأظهرت القدرة على القتال وكانت أعمال العنف والقمع تعزز روح المقاومة وتزيد في أعداد المنتسبين إليها، في المقابل اتخذت حكومة الانتداب تدابير عسكرية لقمع الثورة وفرضت الغرامات المادية الثقيلة والعقوبات الجماعية وعقوبات الإعدام واعتقلت الكثيرين وقامت بتخريب الممتلكات ونسف البيوت وهدم الحي القديم في مدينة يافا..الخ. ومع كل ذلك لم تستطع أن تخمد الثورة الشعبية.

 وقف الإضراب:

شعرت بريطانيا بعجزها عن وقف الثورة وإنهاء الإضراب بالطرق العسكرية فلجأت إلى أساليب غاية في المراوغة فأعلنت أنها قررت إيفاد لجنة ملكية للتحقيق في قضية فلسطين وشكاوى الناس، ووضع التوصيات لحل القضية حلاً عادلاً. وقد وسطت بريطانيا بعض الحكام العرب لإقناع الفلسطينيين بوقف الثورة، وقد حضر بعضهم إلى فلسطين ليجدوا إصراراً عظيما على الاستمرار في الثورة حتى تتحقق مطالبهم.

وكان يتحرك في هذا الموضوع نور السعيد من العراق وكذلك سعى الأمير عبد الله والأمير سعود، وتجددت الاتصالات بين القيادات العربية والقيادات العليا ولكن دون جدوى، في نهاية المطاف استحضرت بريطانيا قوات إضافية لسحق المقاومة حيث بلغ عدد القوات البريطانية في النصف الأول من شهر آب أغسطس 1936 في فلسطين 70 ألف جندي، بالإضافة إلى نحو أربعين ألفا من قوات الشرطة النظامية والإضافية وقوة حدود شرق الأردن وحرس المستعمرات اليهودية وقوات "الهاغاناه" والمنظمات السرية الإرهابية الصهيونية.

على الرغم من ذلك فشلت هذه الجهود وذهبت أدراج الرياح وظلت الثورة مشتعلة طوال شهري آب وأيلول 1936، دون مهادنة أو ضعف. لكن بعد اتصالات ومشاورات أجراها الملوك والرؤساء العرب بطلب من بريطانيا للتدخل لإنهاء الإضراب، وجهوا رسالة إلى رئيس اللجنة العربية العليا لفلسطين لفك الإضراب وإنهاء المقاومة، ونزل الفلسطينيون عند نداءات الزعماء العرب فأوقفوا الإضراب والثورة في 13/10/1936 وكانت ذريعة القيادة الفلسطينية للقبول بفك الإضراب هي موسم قطاف الزيتون.

 اللجنة الملكية "لجنة بيل":

كان صبيحة 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1936 نهاية الإضراب الكبير، وعاد الناس إلى حياتهم الطبيعية دون حصول القيادة على أي وعد. جاءت لجنة التحقيق الملكية إلى فلسطين قبل انتهاء عام 1936 لتقديم توصياتها، فرفضت القيادة الفلسطينية الاجتماع باللجنة، لكن تحت الضغوط العربية عليها من مصر والسعودية وبعض التهديدات، وافقت القيادة على استقبال اللجنة.

أنهت اللجنة الملكية أعمالها في أواخر كانون الثاني 1937 وعادت إلى لندن، وأشارت في أواخر حزيران 1937 إلى أنها توصي بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق منطقة عربية ومنطقة بريطانية وهي القدس ومنطقة يهودية. تم رفض هذا المشروع من قبل الحركة الصهيونية نظراً لأنه لا يخدم مصالحها، كما رفضته القيادة الفلسطينية والتزمت القيادة العربية بموقف القيادة الفلسطينية ما عدا الأمير عبد الله. أعلنت القيادة الفلسطينية بياناً على الشعب تدعوه فيه إلى التمسك بالمطالب الوطنية ومقاومة التقسيم، وفي مطلع تموز1937 عمّت فلسطين تظاهرات صاخبة ضد التقسيم ووقعت صدامات دامية بين العرب والأعداء.

 صدر أمر باعتقال أمين الحسيني باعتباره المسئول عن إشعال الثورة، فلجأ الحسيني إلى الأقصى وفي نهاية الأمر فر من الأقصى متخفياً إلى لبنان وبعد مدة من وصوله إلى لبنان استطاع أن ينشر بياناً في الصحف العربية أكد فيه رفضه لمشروع التقسيم وتمسكه بمطالب الشعب المعروفة، ودعا إلى مقاومة السياسة البريطانية ومحاربة مشروع التقسيم حتى القضاء عليه، واعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة إلى الثورة المسلحة، وبذلك استؤنفت الثورة ووقعت معارك ضخمة حتى القضاء عليه، واعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة إلى الثورة المسلحة، وبذلك استؤنفت الثورة ووقعت معارك ضخمة اتخذت الطابع الحربي فقد قام المجاهدون بهجمات منظمة على المدن واستطاعوا احتلال بعضها ورفع العلم الفلسطيني فيها منها: الخليل، وبيت لحم، والفالوجه، والقدس القديمة، وعكا، وبيت ساحور، والمجدل وبئر السبع. ولم يخرجوا منها إلا بعد معارك ضارية مع القوات البريطانية، واتسعت في هذه المرحلة الهجمات على المستعمرات الصهيونية التي تكبدت خسائر مادية فادحة.

في هذه الفترة كان العمل العسكري دقيقاً ومنظماً بحيث تشكلت في بادئ الأمر لجنة جديدة سميت اللجنة العربية للجهاد، وقسمت المناطق إلى أقسام ولكل منطقة قائدها وأصبح الثوار أسياد الموقف.

 مؤتمر المائدة المستديرة:

كانت بريطانيا في هذه الفترة منشغلة في أمورها وبحاجة إلى هدوء نسبي في فلسطين، فاضطرت بعد عجزها عن القضاء على الثورة إلى العدول عن قرارا التقسيم، وعقد مؤتمر المائدة المستديرة للبحث في الوصول إلى حل لقضية فلسطين، واتفق على أن يمثل الفلسطينيين في المؤتمر ممثلون عن "اللجنة العربية العليا" شريطة أن يكونوا من الداخل، والسماح لهم بالتشاور مع الخارج، وسافر الوفد إلى القاهرة واتفقوا على الثوابت التي سيرتكز عليها الوفد.

انعقد مؤتمر المائدة المستديرة ولم ينجح البريطانيون في جمع العرب والصهاينة مع بعض، وجرت اتصالات مع كل طرف على حده ولكن دون جدوى.

 عام 1939: هبط معدل المعارك الفلسطينية ضد الاحتلال حيث أفلت زمام المبادرة من الثوار وانتقل إلى أيدي القوات البريطانية التي تحولت مع المنظمات الصهيونية إلى موقع الهجوم فقامت بنزع سلاح الثوار واهتزاز تنظيماتهم، وافتقارهم إلى القيادة العسكرية والسياسية الفعالة القادرة على تحدي تفوق الخصم، فالقيادة العسكرية لم تعد موجودة في الداخل من الناحية الفعلية، خاصة بعد استشهاد القائد العام عبد الرحيم الحاج محمد في آذار مارس 1939، ووجود عبد القادر الحسيني خارج البلاد منذ إصابته خريف 1938، وترافق ذلك مع غياب الإستراتيجية العسكرية وعدم توفر الإمكانات الفعالة إضافة إلى عدم ملاءمة الوضع الدولي، نظراً لما يمثله الاستعمار من هيمنة على العلاقات الدولية في تلك الفترة والتحالفات المصلحية التي بدأت بالتشكل عشية الحرب العالمية الثانية.

 من نتائج الثورة المهمة أنها كشفت القيادات المحلية والعربية التي تدخلت في قضية فلسطين بشكل أسهم في إجهاض الثورة إضافة إلى كشفها الحلف الامبريالي- الصهيوني في المنطقة وقدمت نموذجاً من أجل التحرر والدفاع عن الوطن والحفاظ على فلسطين عربية.

 -----------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر: موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، 2008.

 

هبة النفق، 1996

هي حلقة من حلقات النضال الفلسطيني التي اثبت فيها شعبنا تمسكه بأرضه ومقدساته، وقدم من اجل ذلك أرواح أبنائه رخيصة فداء لفلسطين، ففي صباح اليوم الخامس والعشرين من شهر أيلول عام 1996، انطلق الشعب الفلسطيني بكل فئاته في هبة فاجأت العالم قبل أن تفاجئ إسرائيل بعد أن أقدمت السلطات الإسرائيلية على فتح نفق اسفل المسجد الأقصى المبارك، فانصهرت جميع فئات الشعب الفلسطيني في بوتقة المواجهة والتصدي لقوات الاحتلال الغاشمة، فعندما يتعلق الأمر بالمقدسات فكل شيء يهون ولمزيد من الضوء على هذه الهبة سوف نستعرض الآتي:

 أولا: النفق وخطورته

 تعريف النفق وخطورته:

هو عبارة عن مبان قديمة مشيدة في عصور مختلفة مغطاة بالطمم بسبب تهدم المدينة عدة مرات عبر التاريخ، كذلك عملية وصل لهذه المباني من خلال حفريات أسفل أساسات مباني قائمة بعرض متر وارتفاع مترين، بالإضافة إلى وجود قناة رومانية قديمة محفورة بالصخر بعرض أقل من متر وارتفاع عدة أمتار.

والجزء الأكبر من النفق يقع ضمن مبان قديمة قائمة تم تنظيفها وإزالة التراب والحجارة منها، وهي من العصرين الأموي والأيوبي، وهذه الأجزاء تقع أسفل المدرسة التنكزية التي بنيت عام 729هـ-"1528-1329مـ" وحوش محمد الخليلي، والمدرسة الأشرفية التي بنيت عام 887هـ، "1422مـ" وهي مكتبة المسجد الأقصى المبارك حالياً" كذلك أسفل سوق القطانين والمدرسة المنجكية والتي شيدت أيضا في العهود الإسلامية.

أما القناة الرومانية فهي بطول 60 متر محفورة بالصخر وعرضها أقل من متر وارتفاعها عدة أمتار، وهذا الارتفاع مختلف من منطقة إلى أخرى والبقية الباقية عبارة عن حفريات اسفل عقارات مملوكية قائمة في مستوى الأساسات، وهي أيضا على ارتفاعات مختلفة عن سطح الأرض.

 الأخطار المترتبة على حفر النفق:

 إن عملية فتح النفق سوف يترتب عليها العديد من الأخطار والمضار ومن أهمها:

 1. إن هذه العملية تعتبر تحد سافر للشرعية الدولية، وذلك لأنها تصرف من طرف واحد في أرض محتلة.

2.  تصدع المباني التي تعلو النفق مثل:

* المدرسة العثمانية 840هـ/1437م.

* رباط الكرد 693هـ 1293-1294.

* المدرسة الجوهرية 844هـ/1440م.

* المدرسة المنجكية 762 هـ/1361 م.

3. إعادة تأكيد السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس وإن ما أجرته إسرائيل أو الإيحاء بما أجرته هو شأن داخلي.

4. تخريب العملية السلمية والتنصل من تبعات اتفاقية أوسلو على الرغم من أن هذه الاتفاقية لا تمنح الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

5. توسيع دائرة حائط المبكى الذي يمثله أصلا حائط البراق وله صفة دينية وإسلامية ومملوك كوقف إسلامي إلى الأوقاف العامة، وقد يجر توسيع دائرة حائط المبكى إلى الإدعاء بأنه امتداده شمالاً هو جزء من بقايا الهيكل الأول، وقد يجرهم إلى تهديد الأحياء المجاورة له أسوة بما حصل لحي المغاربة.

 وهناك أخطارا أمنية يمكن أن تنتج عن عملية فتح النفق منها:

 1. قيام المتطرفين اليهود والمشرفين على الحفريات غير المرئية والذين يحاولون الدخول إلى المسجد الأقصى على منسوب سفلي كما حصل عام 1981 من خلال سبيل قيتباي وتم إفشال هذه المحاولة.

2. تزويد التاريخ حيث تعطي معلومات مغلوطة وملصقات ومنشورات سياسية تعتبر تزويد للحقائق التاريخية.

3. خلق بؤرة من التوتر وسط الأجواء الإسلامية من خلال حقائق ووقائع جديدة لحركة المتطرفين اليهود تحدياً للمشاعر والحقوق.

 ثانياً: الأسباب التي أدت إلى اندلاع هبة النفق:

 في صباح يوم الخامس والعشرين من شهر أيلول 1996 أقدمت إسرائيل على فتح باب النفق المذكور، والتي شقته طوال السنوات الماضية بعد محاولتين فاشلتين قامت بها لفتحه وكانت المرة الأولى عام 1986 والثانية عام 1994، وهذا النفق يمتد بطول 450 متراً اسفل المسجد الأقصى والعقارات الإسلامية المحيطة به.

لقد اعتبرت هذه العملية بأنها جريمة ضد مقدساتنا الإسلامية وفي الحقيقة لم تكن عملية فتح النفق سوى القشة التي قصمت ظهر البعير لذلك كانت هبة النفق نتيجة تراكمات من ممارسات حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو وذلك برفضها تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وقيامها بفرض وقائع جديدة على الأرض في مخالفات وخرق فاضح لهذه الاتفاقات مثل مصادرة الأراضي ومواصلة الاستيطان وتوسيعه بالإضافة إلى إجراءات تهويد المدينة المقدسة، وكذلك عدم الانسحاب من الخليل بالإضافة إلى كافة القضايا المتصلة بإنهاء استحقاق المرحلة الانتقالية بما في ذلك عدم إطلاق سراح الأسرى"، واستمرار سياسة الحصار الاقتصادي بذرائع أمنية ما أوجد مناخاً من الإحباط واليأس لدى جماهير شعبنا وعزز لديها القناعة كما لدى السلطة الفلسطينية التي بذلت جهوداً وحرصاً كبيراً على عملية السلام أو دفعها إلى الأمام بأن حكومة ائتلاف اليمين القومي والديني برئاسة نتنياهو ليست عازمة على الاستمرار في عملية السلام، وهي ابعد ما تكون لتنفيذ الاتفاقات وانتهاء بمحاولات المماطلة والتسويف التي انتهجتها خلال الأشهر السابقة، وقيامها بحملات الدعاية حول التزامها بالعملية السلمية بينما هي في الواقع تعمل عكس ذلك من خلال عقد اجتماعات شكلية مع ممثلي السلطة الفلسطينية بدون تحقيق أية نتائج من هذه الاجتماعات.

لقد كشفت هذه السياسة الإسرائيلية من ضرب أسس عملية السلام وتقويض الاتفاقات الموقعة عن استراتيجية حكومة نتنياهو وكان لا بد بالتالي أمام القيادات الفلسطينية من البدء في التحرك على ثلاث مستويات.

 * المستوى الداخلي تمثل في تعزيز الأوضاع الداخلية وخلق مناخات تساعد على تحقيق الوحدة الوطنية.

* المستوى العربي لوضع الجماهير والدول العربية أمام مسئولياتها والتزامها تجاه القدس، خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً.

* المستوى الدولي لوضع المجتمع الدولي والعالم أمام مسئولياته تجاه انهيار عملية السلام التي من شأنها أن تعيد أجواء التوتر للمنطقة بأسرها، وقد حقق هذا التحرك نتائج إيجابية سوف نشير إليها عند تناول نتائج الهبة.

 ثالثاً: يوميات الهبة:

 يوم الأربعاء 25/9/1996

* أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية على فتح باب النفق، وعلى أثر هذه العملية تم اجتماع القيادة الفلسطينية بدعوة من الرئيس ياسر عرفات ودعا الجماهير الفلسطينية إلى مواجهة هذا العدوان وبعث برسائل إلى بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والملك حسين ملك الأردن والرئيس التركي سليمان ديميريل، ووضعهم في صورة العدوان الجديد.

* انطلقت مآذن المدينة المقدسة منذ ساعات صباح يوم الأربعاء بالدعوة إلى المواجهة فيما انطلق أهالي القدس في الشوارع وتعالت صيحات الاستنكار من حناجرهم.

* على الفور تدخلت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية وحالت دون وصول الأهالي إلى الموقع لوقف أعمال تثبيت الباب الحديدي الذي يؤدي إلى مدخل يصل حائط البراق بباب الغوانمة للمسجد الأقصى .

* دارت مواجهات عنيفة بعد ظهر اليوم الأربعاء 25/9/1996 بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال رشق فيها الشبان قوات الاحتلال بالحجارة وعلى أثرها قامت قوات الاحتلال بإخلاء ساحات الأقصى وإغلاق جميع أبوابه ولاحقت قوات الاحتلال الشبان الفلسطينيين واعتقلت منهم 11 شاباً.

* من جهة أخرى تواصلت الاشتباكات في شارع الزهراء وأحرقت سيارة إسرائيلية في القدس أمام فندق الأمريكان كولوني واستخدمت قوات الاحتلال الرصاص المطاطي ضد الشبان الفلسطينيين واعتقل 30 فلسطينياً.

* عقدت الهيئة الإسلامية العليا ونواب القدس وممثلوا القوى الوطنية في المدينة اجتماعاً طارئاً في المسجد الأقصى وأدانوا فيه المؤامرة ودعوا إلى إضراب تجاري والتجمع في باب العامود عند الساعة الثانية عشر ظهراً.

* ترأس الرئيس عرفات اجتماعاً طارئاً ضم أعضاء اللجنة التنفيذية لـ[م.ت.ف] ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، صدر في أعقابه بياناً دعا فيه جماهير الشعب الفلسطيني لمقاومة ومواجهة الأعمال الإسرائيلية الرامية لتهويد المدينة المقدسة باعتبارها جريمة نكراء.

* وانطلقت المسيرات في حي الواد وباب الساهرة وباب النفق الجديد وشوارع القدس كشارع صلاح الدين، السلطان سليمان، الزهراء، نابلس وأحياء البلدة القديمة، كما عمت المسيرات والمواجهات مختلف محافظات الوطن.

* في رام الله سقط 25 جريحاً وحاولت قوات الاحتلال الإسرائيلي من اقتحام المدينة إلا ان قوات الأمن الوطني تدخلت ومنعت القوات الإسرائيلية من الدخول واستخدمت إسرائيل طائرات كوبرا المروحية في إطلاق النيران على المواطنين.

* في الخليل سارت المسيرات والمظاهرات في الشوارع المحيطة بمستشفى عالية باب الزاوية- شارع الشلالة وأصيب العشرات واعتقال 20 فلسطينياً.

* في بيت لحم مسيرات بدأت من جامعة بيت لحم إلى منطقة قبر راحيل كما شملت المسيرات ودارت المواجهات في كل من طولكرم وجنين وأريحا وقلقيلية.

 يوم الخميس 26/9/1996م

تواصلت المواجهات في مختلف المدن الفلسطينية ففي القدس حشدت إسرائيل اكثر من 5000 جندي إسرائيلي وأصيب العديد من الشبان الفلسطينيين في مواجهات هذا اليوم ومن بين الذين أصيبوا فيصل الحسيني.

أما في نابلس فقد استسلم الجنود الإسرائيليين المتواجدين في موقع قبر النبي يوسف وكان عددهم 41 جندياً لقوات الأمن الوطني الفلسطيني، وتحولت كل من رام الله والخليل وبيت لحم إلى ساحات حرب، كما شهدت جنين العديد من المسيرات والاشتباكات مع جنود الاحتلال.

وفي يوم الجمعة كانت هناك مجزرة أخرى حيث سقط 3 شهداء وأصيب 150 شاباً فلسطينياً.

وفي يوم السبت 29/9/1996 قرعت الأجراس وأقيمت الصلاة على أرواح الشهداء.

أما في قطاع غزة حيث بدأت الأحداث في صباح يوم الخميس الموافق 26/9/1996 فانطلقت المسيرات التي نظمها طلبة المدارس عشية عملية فتح النفق واستشهاد خمسة فلسطينيين في رام الله يوم 25/9/1996، وانطلقت المسيرات لتتوجه إلى الحواجز والمواقع العسكرية الإسرائيلية القريبة من المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة عند حاجز بيت حانون (ايرز) بوابة القطاع الشمالية مع إسرائيل ونتساريم جنوب مدينة غزة وكفار داروم القريبة من دير البلح ومفترق غوش قطيف كيسوفيم شمال مدينة خانيونس، والموقع العسكري غرب المدينة على حدود مستوطنة جاني طال والحدود المصرية مع قطاع غزة في مدينة رفح ونظراً لتعدد المواجهات في اكثر من موقع من الضروري استعراض صور الأحداث في كل المناطق التي حدثت فيها.

 ·       حاجز كفار داروم

 بدأت فيه المواجهات عند الساعة السابعة صباحاً حيث وصلت المسيرات على بعد 70-100 متر عن المواقع الإسرائيلية المحاذية لمستوطنات كفار داروم القريبة من دير البلح على الطريق الرئيس رفح- غزة، حيث تجمع الطلبة المشاركون في المسيرة هناك وبدؤوا بإطلاق الهتافات، وقام رجال الشرطة الفلسطينية المتواجدين في هذا المكان بمحاولة صد المتظاهرين ومنعهم من التقدم تجاه المواقع الإسرائيلية، إلا أن بعض أفراد المسيرة تمكنوا من اجتياز الحاجز الفلسطيني والقيام بإلقاء الحجارة باتجاه الجنود الإسرائيليين المتواجدين في المكان وعلى الفور قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق قنابل الغاز على المتظاهرين في الوقت الذي استمر المتظاهرون بإلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين، وهي بالكاد كانت تصل إليهم وفي الساعة السابعة وعشر دقائق بدأ الإسرائيليون بإطلاق نيران أسلحتهم الأتوماتيكية بما فيها المدافع الرشاشة من عيار 500 بشكل مكثف، وعشوائي، ومن كافة الاتجاهات، أصيب ثمانية أشخاص نقلوا بسيارات الإسعاف.

وعلى الفور قام رجال الشرطة الفلسطينية بإغلاق الشارع العام أمام حركة السيارات في محاولة للسيطرة على الموقف، إلا أنهم أصبحوا عرضة لإطلاق النار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ما أدى إلى إصابة العديد منهم برصاص الجنود الإسرائيلين مما اضطر رجال الشرطة الفلسطينية الى الرد على الجنود الإسرائيليين دفاعاً عن النفس إلا أن الجنود الإسرائيليون استمروا في إطلاق النيران خصوصاً بعد أن اتخذوا لأنفسهم مواقع فوق الأبراج العسكرية القريبة من المستوطنة والمحاطة بسواتر رملية.

وفي حوالي الساعة الثانية عشر توقف إطلاق النار بعد جهود قام بها مسئولون أمنيون فلسطينيون من قادة الأمن الوطني بالاتصال مع الجانب الإسرائيلي.

وكانت نتيجة هذه المواجهات إصابة العشرات من قوات الأمن الوطني، كما استشهد 7 شهداء وأصيب 60 جريحاً بينهم صحفي، وتضررت واجهات المنازل وأسطحها وخزانات المياه جراء إطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين.

 ·       مفرق الشهداء "بالقرب من مستوطنة نتساريم"


في الساعة الثامنة صباحاً وبعد أن انتشرت أنباء المواجهات في منطقة مستوطنة كفار داروم توجه مئات الطلبة والمواطنين إلى مفترق نتساريم جنوب غزة حيث يوجد موقع عسكري دائم محاط بالأسلاك الشائكة، وعلى الرغم من محاولة أفراد الشرطة الفلسطينية منع المتظاهرين من الاقتراب من الموقع إلا أن بعض الطلاب قد استطاع التقدم نحو الموقع من البيارات المحاذية وقاموا بإلقاء الحجارة على برج عسكري إسرائيلي للمراقبة من مسافة لا تقل عن مائة متر ورد الإسرائيليون بإطلاق النار على المتظاهرون.

وعززت القوات الإسرائيلية من تواجدها بتعزيز الموقع بالدبابات والآليات واستمر الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار وكانت النتيجة استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة 75 آخرين.

 ·       حاجز بيت حانون "ايرز"

 بدأت المواجهات عند هذا الموقع بعد ان انطلقت مسيرة طلابية من مخيم جباليا إلى حاجز بيت حانون وعلى الرغم من محاولة الشرطة الفلسطينية منعهم من التقدم إلا أن بعض المتظاهرين تمكنوا من اجتياز الحاجز الفلسطيني ليقتربو من الحاجز الإسرائيلي وإلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين ردوا عليها بإلقاء قنابل الغاز والأعيرة المطاطية ثم إطلاق الرصاص الحي ما أدى إلى إصابة العديد من الشبان الفلسطينيين ثم ازدادت كثافة إطلاق النيران من الجانب الإسرائيلي ما أدى إلى استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة 104 بجراح بعد أن اصبح كل من تواجد في محيط الموقع من الفلسطينيين، هدفا للنيران الإسرائيلية واستمر إطلاق النار حتى ما بعد الظهر حيث حضر كبار الضباط من الجانب الفلسطيني وقاموا بإجراء اتصالات مع الجانب الإسرائيلي فخفت حدة إطلاق النار إلى أن توقفت عند الساعة الرابعة والنصف عصراً.

 ·       خانيونس


واندلعت الأحداث في مدينة خانيونس بتجمع طلبة المدارس في حي الأمل وتوجهوا إلى المنطقة العسكرية الإسرائيلية غرب حي الأمل القريبة من مستوطنة جاني طال وتجمعوا عند حاجز للشرطة الفلسطينية يبعد 400 متراً عن النقطة العسكرية الإسرائيلية وتدخل أفراد الشرطة الفلسطينية المتواجدون على الحاجز حيث كانوا يقومون بإعمالهم اليومية ومنعوا الطلبة من التقدم نحو الحاجز الإسرائيلي في تقدم الطلبة بإلقاء الحجارة باتجاه النقطة العسكرية الإسرائيلية.

قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق قنابل الغاز والأعيرة المطاطية والرصاص الحي نحو الطلبة وسرعان ما بدأوا إطلاق النار عشوائياً نحو كل من تواجد في ذلك الموقع رد أفراد الشرطة الفلسطينية النار في محاولة للدفاع عن النفس ولحماية المدنيين وتسبب رصاص الجنود الإسرائيليين في مقتل 3 أشخاص وإصابة 60 آخرين بجراح.

وفي الساعة التاسعة صباحاً توجه طلاب المدارس من قرى خانيونس الشرقية إلى مفترق غوش قطيف وحاجز كيسوفيم على طريق خانيونس غزة وقد حالت الشرطة الفلسطينية دون تقدم المتظاهرين إلا أن عدداً منهم تمكن من عبور الحاجز من خلال البيارات المجاورة.

وشاركت مروحيات حربية من نوع الكوبرا في إطلاق النار على المتظاهرين كما طالت نيرانها المواطنين الذين لم يشاركوا في المظاهرات وكذلك المنازل القريبة ما تسبب في إصابة عدد من المواطنين وإلحاق أضرار بعدد من المنازل. وبلغت حصيلة الأحداث 5 شهداء و115 جريحاً.

 ·       رفح


في الساعة الثامنة من صباح يوم 26/9/1996 توجه نحو 150 طالب إلى بوابة صلاح الدين على الحدود المصرية وقاموا بإلقاء الحجارة على موقع للجنود الإسرائيليين مقام بين الأسلاك الحدودية الشائكة وعلى الرغم من محاولة الشرطة الفلسطينية صد المتظاهرين إلا أن المواجهات استمرت على طول الحدود المصرية الفلسطينية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي والتي تخترق مدينة رفح وفي هذه الأثناء قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار على المتظاهرين ورجال الشرطة الفلسطينية وأصابوا عدداً منهم ما دفع رجال الشرطة الفلسطينية إلى إطلاق النار للدفاع عن أنفسهم.

في حوالي الثانية عشر تمكن أفراد الشرطة الفلسطينية من تهدئة الأوضاع مع انتشار نبأ استشهاد شخصين وإصابة 40 بجراح، وشهدت ساعات ما بعد الظهر تجمعات للشباب بالقرب من المنطقة الحدودية قاموا بإلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين ردوا بعنف على تلك المواجهات، كما استخدم الجيش الإسرائيلي طائرتين عموديتين قامتا بإطلاق النار عشوائياً، والقتا قذائف على المنطقة المحاذية للشريط الحدودي. واستخدمت الدبابات المجنزرة التي شوهدت داخل الشريط الحدودي ما أدى إلى إصابة العديد برصاص الجيش الإسرائيلي. ولم تقتصر المواجهات على الشريط الحدودي على توجه أعداد كبيرة من الطلاب الى مفترق مستوطنة موراج على الطريق الواقع بين خانيونس ورفح وقاموا بإلقاء الحجارة اتجاه الجنود الإسرائيليين على مدخل المستوطنة وعلى الرغم من قيام أفراد الشرطة الفلسطينية من إبعاد المتظاهرين إلا أن الجنود الإسرائيليين قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين وأفراد الشرطة مما أدى إلى إصابة طالبتين فلسطينيتين وشرطي آخر.

هذا ما حدث يوم الخميس 26/9/2001 وقد استمرت أجواء التوتر في اليوم التالي يوم الجمعة 27/9/2001، وتكررت المواجهات في رفح وخانيونس وحاجز كفار داروم.

وكان أعنف هذه المواجهات في رفح حيث قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ما أدى إلى إصابة 48 شخصاً في رفح كما أصيب 8 أشخاص في خانيونس وشخصان عند حاجز كفار داروم.

 نتائج الهبة:

  نتج عن هذه الهبة العديد من النتائج أهمها:

 1. سقوط العديد من الشهداء والجرحى بين أبناء الشعب الفلسطيني.

2. نتائج سياسية.

 1.    شهداء وجرحى الانتفاضة:

 على الرغم من الطابع السلمي الذي خيم على التظاهرات الفلسطينية احتجاجاً على فتح النفق، إلا أن القوات الإسرائيلية واجهت هذه التظاهرات بإطلاق الرصاص المطاطي والرصاص الحي بكثافة وخاصة من العيارات المختلفة مثل رصاص عيار 500 ملم و800 ملم كما استخدمت الطائرات المروحية والدبابات بالإضافة إلى إشتراك المستوطنين الإسرائيليين في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين والنتيجة سقوط عدداً من الشهداء والجرحى وقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في هذه الهبة 63 شهيداً، و1600 جريحاً منهم 458 جريحاً في قطاع غزة.

 وتشير الجداول التالية إلى أسماء شهداء هبة النفق.

شهداء معركة القدس
من 25-27 أيلول

شهداء محافظة رام الله

الإسم

العمر

البلد

منير يوسف جمهور

19

بيت عنان

رائد إبراهيم شراكة

14

مخيم الجلزون

أيمن عبد المجيد عواد

25

رام الله

عبد الجبار محمد عوض حسن

20

دير أبو مشعل

ياسر عمر محمود حمدان

20

كوبر

جهاد (ناصيف) سمحان

30

راس كركر

محمد عبد الله أحمد حامد

18

سلواد

جلال إبراهيم عايش

20

الطيرة

فوزي محمد مفلح جمهور

23

بيت عنان

تمام أحمد مسعود نوارة

34

المزرعة البلية

معتز موسى طه

22

رافات

فايز مشهور محمد فرحان

22

رام الله- عين مصباح

رأفت راشد حوشية

 

قطنة

إياد محمود الطريفي

21

رام الله

عبد الفتاح عبد المجيد طعيمة

 

سلواد

عيد محمود عيسى

20

بيرنبالا

منصور شوامرة

 

رام الله

شهداء محافظة بيت لحم

الإسم

العمر

البلد

مازن أبو عاهور

22

بيت جالا

أحمد أبو سرور

26

بيت جالا

شهداء محافظة نابلس

الإسم

العمر

البلد

فريد الصفدي

28

نابلس

وسام فريد المصري

متأثرا بجراحه يوم 26/9/96

نابلس

شهداء محافظة أريحا

الإسم

العمر

البلد

فراس عرابي

21

أريحا

فادي عطية

20

أريحا

شهداء محافظة طولكرم

الإسم

العمر

البلد

عماد سالم

30

من سكان يطا سقط في طولكرم

زياد عز الدين الشريف

32

من طولكرم سقط في اريحا

شهداء محافظة الخليل

الإسم

العمر

البلد

أشرف عبد الكريم الطور

12

الخليل

زياد محمود عيد

25

الخليل

محمد ربحي عفانة

طفل

الخليل/بيت اولا

أسماء الشهداء الذين سقطوا في ساحة الأقصى 27/9

الإسم

العمر

البلد

إبراهيم أبو غنام

19

القدس/الطور

أيمن يحيى ادكيدك

25

القدس/الطور

جواد البزلميط

 

القدس

حنين قاسم حرب

5 شهور

القدس/شعفاط

شهداء محافظات غزة

الإسم

العمر

البلد

أمين بربح

17

خانيونس

رائد الرقب

22

خانيونس

أشرف الأشرم

21

غزة

رمزي الأستاذ

22

غزة

هاني جلال موسى

18

دير البلح

رزق سليمان الحواجري

35

دير البلح

قصي محمد عكاشة

30

جباليا

قاسم سليمان الدجيلي

16

دير البلح

نورا موسى سعد

13

دير البلح

فريد الدعليس

20

النصيرات

خليل محمد نصير

22

بيت حانون

حسن محمد اليازجي

40

جباليا

محمد حسن البيومي

16

رفح

يوسف محمود البشيتي

25

المغازي

علاء أسامة شراب

20

غزة

راجح بارود

43

رفح

رشاد أبو توهة

18

غزة

حازم صقر

18

غزة

أحمد النجار

22

خانيونس

محمد عبد الكريم الأسطل

15

خانيونس

عبد الحميد صالح حماد

33

خانيونس

إيهاب عبد الواحد

24

غزة

شحدة محمد وهدان

27

غزة

سامي طافش

22

زيتون

محمد فتحي حسب الله

20

غزة

باسل نعيم

25

بيت حانون

موسى ناصر أبو نصير

28

دير البلح

عصام أبو علوان

23

الشيخ رضوان

أشرف مهدي

18

بيت لاهيا

تامر المصري

10

مدينة غزة

محمد شلايل

 

مدينة غزة

جدول رقم (1): فئات أعمار الشهداء، الضفة الفلسطينية

الفئة

العدد

الجنس

المنطقة

من سن 10-19

4

ذكر

رام الله

من سن 10-19

1

ذكر

القدس

من سن 10-19

1

ذكر

اريحا

من سن 20-29

10

ذكر

رام الله

من سن 20-29

2

ذكر

نابلس

من سن 20-29

2

ذكر

بيت لحم

من سن 30-29

1

ذكر

القدس

من سن 30-39

2

ذكر

رام الله

من سن 30-39

1

ذكر

طولكرم

من سن 30-39

1

ذكر

نابلس

غير معروف أعمارهم

1

ذكر

رام الله

غير معروف أعمارهم

2

ذكر

القدس

جدول رقم (2): أنواع إصابات الشهداء في الضفة الغربية

نوع الإصابة

العدد

الجنس

المنطقة

إصابة بالرأس

1

ذكر

نابلس

إصابة بالبطن

1

ذكر

نابلس

إصابة بالرأس

2

ذكر

بيت لحم

إصابة بالرأس

12

 (11)ذكر، (1) أنثى

رام الله

إصابة بالصدر

2

ذكر

رام الله

إصابة بالبطن

1

ذكر

رام الله

إصابة بالرأس

2

ذكر

أريحا

إصابة بالرأس

1

ذكر

طولكرم

جدول رقم (3): بعدد الجرحى من قطاع غزة خلال أحداث أيلول 1996 حسب تاريخ الإصابة والتوزيع على المستشفيات والعيادات

إسم المستشفى

يوم الخميس
26/9/1996

يوم الجمعة
27/9/1996

يوم السبت
28/9/1996

يوم الأحد
29/9/1996

المجموع

دار الشفاء

159

4

__

1

163

مستشفى الأهلي العربي

23

__

__

__

23

مستشفى العيون

3

__

__

__

3

ناصر-خانيونس

139

30

8

__

177

عيادات رفح

21

26

__

__

47

عيادة دير البلح

44

__

__

__

44

المجموع

389

60

8

1

458

ملاحظة: هناك أسماء لم ترد في كشوفات المستشفيات والعيادات وتم اعتمادها بناء على جمع ميداني من قبل الباحثين الميدانيين في المستشفيات وأماكن الأحداث والإفادات.

جدول رقم (4): بعدد الجرحى من القطاع في أحداث أيلول 1996 حسب العمر ومكان الإصابة موزعين على المستشفيات والعيادات

مكان الإصابة في الجسم

عدد الجرحى

اسم المستشفى

النصف الأسفل

النصف الأعلى

18 سنة وتحت

فوق 18 سنة

60

104

74

90

دار الشفاء-غزة

11

11

14

8

الأهلي العربي

__

3

1

2

العيون-غزة

142

35

97

80

ناصر-خانيونس

18

12

22

8

عيادات رفح

47

15

39

23

عيادة دير البلح

278

180

247

211

المجموع

60.7%

39.3%

53.9%

46.1%

المجموع الكلي

ملاحظة: هناك عشرات الجرحى عولجوا في مستشفيات وعيادات القطاع لم تسجل أسماؤهم بسبب كثرة الإصابات، كما تسجل أسماء العديد من الجرحى عولجوا في عيادات خاصة وأهلية.

جدول رقم (5): بعدد الشهداء الذين سقطوا في قطاع غزة في أحداث أيلول 1996 حسب مواقع الأحداث

 

موقع الأحداث

عدد الشهداء

كفار داروم

7

نيتساريم

8

(معبر بيت حانون) ايرز

8

جاني طال (غربي خانيونس)

3

مفترق غوش قطيف-كيسوفيم

2

رفح

2

المجموع

30

 النتائج السياسية:

على الرغم من أن عملية فتح النفق بتاريخ 15/9/1996، قد سبقتها محاولتين الأولى عام 1986 عند باب الغوانمة والثانية عام 1994، عند المدرسة العمرية وهو نفس المدخل الحالي، إلا أن هذه المرة تكتسب أهمية كبيرة إذا جاءت ضمن مخططات حكومة الليكود المتطرفة في برنامجها الإنتخابي عام 1996، كما أنها جاءت عشية الاحتفال بعيد الغفران وكأن هذه العملية جاءت كهدية للشعب اليهودي إلا أن نتائجها لم تكن في حسبان الحكومة حيث أفشلت الهبة الجماهيرية الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على سياسة الصفقات حيث لا يتم إغلاق النفق إلا بشروط محددة وكان من نتائج هذه الهبة ما يلي:-

1. أثبتت الهبة بأن لدى الشعب الفلسطيني خيارات أخرى غير خيارات التفاوض مع عدم التراجع عن عملية السلام.

2.  سقوط الرهان الإسرائيلي بأن هناك فجوة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني.

3.  وكان نتيجة هذه الهبة توقيع بروتوكول إعادة الإنتشار في منطقة الخليل بتاريخ 17/يناير/1997.

ملخّص هبة النفق 25/9/1996

استمرت الهبة مدة ثلاثة أيام وهي 25-26-27 من شهر سبتمبر على 1996.

أسباب الهبة:

استمرار السياسة الإسرائيلية القائمة على:

* التوسع الإستيطاني على حساب الأراضي الفلسطينية.

* استمرار الحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية.

* المماطلة والتسويف في تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع السلطة الوطنية الفلسطينية.

* ثم فتح النفق أسفل المسجد الأقصى مما يعد خرقاً فاضحاً للاتفاقات المعقودة وتحدي لمشاعر المسلمين.

نتائج الهبة:

1. توقيع برتوكول إعادة الإنتشار في منطقة الخليل بتاريخ 17/يناير/1997.

2.  سقوط الرهان الإسرائيلي بأن هناك فجوة بين الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية كما اثبتت ان هناك خيارات اخرى للشعب الفلسطيني غير طريق التفاوض.

3.  سقوط 63 شهيداً فلسطينياً و1600 جريحاً موزعين كالآتي:

في الضفة الغربية 32 شهيدا  موزعين على المحافظات التالية

المحافظة

عدد الشهداء

رام الله

17

بيت لحم

2

نابلس

2

أريحا

2

طولكرم

2

الخليل

3

القدس

4

في قطاع غزة سقط 31 شهيدا.

 عدد الجرحى 1600 جريحاً.

قطاع غزة 458 جريحاً.

الضفة الغربية 1147 جريحاً.

المراجع:

1. وزارة الإعلام -التقرير- من أغسطس/ أكتوبر-الجزء الثاني 1996.

2. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان- أحداث أيلول، 1996، مايو 1999.

3.  نضال شعب "مجلة"، العدد العاشر تشرين الثاني-1996.

4.  الرأي "مجلة"، أعداد 1،3،6،8،11،15، 1996/1997.

5.  عدنان الحسيني، أضواء على قضية فتح النفق "مجلة شؤون تنموية" العدد الأول والثاني-المجلد السادس، الملتقى الفكري العربي-القدس 1996/1997.

6.  طاهر هاشم النمري، مصدر سابق.

 

انتفاضة 1987 - ثورة الحجارة

 

 لمحة عن الإنتفاضة

 بعد سبعين سنة من بداية الصراع العربي - الصهيوني مضت منها أربعون على اغتصاب جزء من فلسطين بإقامة الكيان الاسرائيلي، وعشرون سنة أخرى على احتلال ما تبقى منها، مع أجزاء من أراضي عربية أخرى، وبعد أربع وعشرين سنة على قيام م.ت.ف والمنظمات الفلسطينية الفدائية، شهدت كفاحاً مسلحاً عبر الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وما كان حولها وانتهت باجتياح اسرائيل للبنان واحتلال جزء من جنوبه ورحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وقيادتها من لبنان، وبعد ست سنوات على هذا الرحيل، عانت خلالها م.ت.ف وجماهير الشعب الفلسطيني، وبخاصة في لبنان، من جملة مآزق وازمات وصلت حدود التقاتل العربي- العربي، وانقسام فصائل الثورة بعضها على بعض، في ظل أجواء انحسر فيها التيار القومي العربي الى شطآن -القطرية- المفرطة ومنزلقات- الطائفية المذهبية بعد هذا كله، وبالرغم من هذا كله، نهض الشعب الفلسطيني وبادر من جديد، ومن فوق تراب وطنه المحتل، بانتفاضة ثورية جديدة، مستوعباً لكل دروس التجارب النضالية السابقة وغيرها، عربياً وفلسطينياً، ومدركاً لكل ما أفرزته تجارب الصراع ضد اسرائيل من وقائع وما كشفته من حقائق، مسلّحة بهذا الوعي، تمكنت الانتفاضة منذ بدايتها، بما حددته من أهداف واضحة وبما أبدعته من أساليب نضالية لتحقيق هذه الأهداف من تأكيد قدرتها على الاستمرار والنمو كحقيقة ثورية ميدانية، تستطيع فرض واقع جديد على مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام، وعلى مسار م.ت.ف بشكل خاص، فلا تهويل في أهدافها ولا وعود بما لا تملك القدرة على إنجازه، حتى لو كان ذلك حقاً، فلكل حق شروطه ومتطلباته حتى يتم استيفاؤه، ولا تحريف في أهدافها حول كل ما هو أساسي وثابت ومعترف بشرعيته من حقوق، كحق تقرير المصير، والعيش الحر في دولة مستقلة حرة كذلك كانت الانتفاضة واضحة في أساليبها النضالية، والتي استلهمتها من واقع شعبها وموقعه، ومما تسمح به إمكانيات هذا الشعب وطبيعة هذا الموقع، بعيداً عن تقليد أو محاكاة ثورات غيرها من الشعوب ومن دون مغالاة في الاعتماد على دعم خارجي يتحكم فيها، فالشعب كل الشعب هو أداة الانتفاضة، وتنظيماته طلائع له، وليست بديله عنه. والحجر هو سلاحها، وأمضى ما فيه يكمن فيما يرمز إليه من إصرار لا رجعة عنه في مقاومة الاحتلال، وتحت كل الظروف مهما كان الفارق في موازين القوى فالتاريخ يشهد أن التفوق في الإرادة كفيل في النهاية بانتزاع النصر من التفوق في القوة لا شك أن هذا الوضوح في الأهداف والأساليب كان من أهم الأسباب التي عبأت الشعب حول الانتفاضة فدفعته ولا تزال الى تقديم أروع صور النضال، غير آبه بالتضحيات، كما جعلت من العام 1988، عام الانتفاضة فشغلت العالم وأثارت تعاطفه معه، وشدت العرب على طريق التضامن، وردت للقضية الفلسطينية مكانتها، وكرست م.ت.ف من جديد ومن موقع ميداني ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين، فلم يمض على اندلاع شرارتها أكثر من سبعة أشهر، عندما أعلن الأردن عن فك الروابط القانونية والإدارية بين المملكة الأردنية والضفة الغربية المحتلة، وأوقف جميع مشروعات التنمية التي كان يعدها هناك، وحل جميع المؤسسات التابعة لها، ويعتبر هذا إنجازاً هاماً للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، ومن أهم إنجازاتها السياسية وتحويل هذا الانجاز الى قوة دفع جديدة للنضال الفلسطيني ولهذه الانتفاضة بالذات.

  وبعد مضي أكثر من مئة يوم على الحوارات والتحركات والاتصالات تمكنت قيادة م.ت.ف من وضع تصورها السياسي المستقبلي، وحددت الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، موعداً لعقد دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني، لمناقشة هذا التصور وإقراره.

وسميت هذه الدورة بدورة "الانتفاضة" وفي الساعة الصفر والدقيقة الأربعين بتوقيت القدس الشريف، من يوم الثلاثاء الواقع في السادس من ربيع الثاني 1409 للهجرة الموافق للخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، تم اتخاذ أهم قرار سياسي في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها ألا وهو إقرار " وثيقة الاستقلال " بالإجماع، كما أقر المجلس بأغلبية أصوات أعضائه البرنامج السياسي لإنجاز هذا الهدف وتمكين هذه الدولة من ممارسة سلطتها الفعلية على أرضها.

 واستندت "وثيقة الاستقلال" قيام دولة فلسطين الى الحق الطبيعي التاريخي والقانوني للشعب العربي لفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947. ولم يفت وثيقة الاستقلال عند إيرادها للسند القانوني أن تشير الى "الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقري المصير، إثر قرار الجمعية العامة (للأمم المتحدة) رقم 181 لعام 1947 الذي قسم فلسطين الى دولتين، عربية ويهودية، ثم أضافت أن هذا القرار "ما يزال يوفر شروطاً للشرعية الدولية، تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال ".

 وقد دعمت الانتفاضة هذا التحول، بما عبرت عنه جماهيرها من تظاهرات التأييد وبما صدر عن قيادتها الوطنية الموحدة من نداءات رحبت بوثيقة الاستقلال واعتبرتها خطوة مهمة على طريق إنجاز الاستقلال الوطني، ولشهادة الانتفاضة وزنها ليس لكونها من أهم مراكز التأثير في صنع القرار الفلسطيني فحسب، بل لكونها كذلك، فكراً وتنظيماً، من نتاج ذلك المسلسل الطويل لعملية الصراع العربي الفلسطيني ضد اسرائيل وما نجم عنها من متغيرات فالانتفاضة علامة فارقة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وتاريخ م.ت.ف بالذات، فصلت بين ما قبلها وبعدها، بهذا التحول في المسيرة من حركة تحرير وطني الى حركة استقلال وطني.

ولم تأت الانتفاضة الجماهيرية العارمة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة بشكل عفوي أو آني، ولم يكن حادث معبر بيت حانون "إيرز سابقاً " عند مدخل قطاع غزة والذي راح ضحيته أربعة شهداء، وسبعة جرحى آخرين، نتيجة صدمهم بسيارة عسكرية احتلالية حادثاً قدرياً لعبت الصدفة ملعبها في أحداثه، إنها حالة عداء تمتد الى أكثر من أربعين عاماً مضت وستمتد حتى تحقيق قيام الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني الذي أنشئت على أرضه إسرائيل، لقد توجت الانتفاضة الفلسطينية أعواماً من النضال والكفاح لتختصر كل أنواع الإرهاب والقمع والبطش الاسرائيلي عبر رفض الشعب الفلسطيني للاحتلال ومناداته بأعلى صوته بسقوطه، وجاء عام 1988 كما قال عنه السيد الرئيس/ ياسر عرفات هو عام البشرى فإن هذه الانتفاضة الكبيرة بشهدائها وجرحاها ومعتقليها هم رسل هذه البشرى، وهي الخطوة الأولى على طريق إنهاء الاحتلال وطرده وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، التي هي الحل الوحيد للمأزق الإسرائيلي مثلما هي للمأزق الفلسطيني.

 إن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي ليست حديثة النشأة ولم تبدأ مع انطلاقة الشرارة الأولى للانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في الثامن من كانون الأول "ديسمبر" وهذه الحقيقة لا تضع الانتفاضة على قدم المساواة مع أعمال وأشكال المقاومة والرفض للاحتلال السابقة لها، وإنما لتأكيد أن تراكمات النضال القومي الفلسطيني على مدى عشرين عاماً من الاحتلال في ذلك الوقت أفضت في النهاية الى الانتفاضة المجيدة.

 

ما قبل الإنتفاضة

 كانت الغزوة الصهيونية للبنان في العام 1982 وما نجم عنها من نتائج وأثار، حدثاً استراتيجياً في سجل الصراع العربي الاسرائيلي رغم المكابرة ومحاولات التهوين العربية والفلسطينية.

صحيح أن هذه الغزوة لم تحقق ما حلم به قادتها من أهداف، ولكنه صحيح أيضاً أنها فرضت وقائع جديدة على الساحة اللبنانية كان لها أثارها البالغة عربياً وفلسطينياًً، فعربياً كشفت هذه الغزوة مدى الانحسار الذي وصلت إليه الحركة العربية رسمياً وشعبياً، وعجزها عن التحرك لنصرة وطن يجتاح، وعاصمة عربية تحتل، وشعبين عربيين يتعرضان لكل أنواع القتل والافناء فلسطينياً، وبعد رحيل قوات الثورة عن لبنان باتت مقولة التحرير من عبر الحدود موقع شك وتساؤل وهذا يفسر ما طرأ على الساحة اللبنانية من ارباكات سياسية عكست نفسها على مجمل القوى الفاعلة فيها، ووصلت حدود التناقض والصدامات المسلحة، ويفسر كذلك بروز التيار الاسلامي وطروحاته البديلة المختلفة جذرياً عن كل ما سبق من طروحات وطنية وقومية وتقدمية كانت م.ت.ف من أكثر الجهات تأثراً بذلك الحدث الاستراتيجي، إذ وجدت نفسها أمام مشاكل وتحديات جديدة يصعب حلها من دون فعل يكون على مستوى الحدث الذي تعرضت له وكانت مشاكل م.ت.ف وتحدياتها مترابطة، في دوائرها الثلاث  الدائرة الفلسطينية الداخلية، أي مسألة الوحدة الوطنية، والدائرة القومية أي علاقاتها مع الدول العربية بشكل عام، ومع سوريا بشكل خاص بحكم الوجود المشترك في لبنان وقضية حرب المخيمات، أما دولياً فلقد قضت م.ت.ف سنوات ما بعد الغزوة في نضال شاق لتعزيز مكانتها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني ورد محاولات شطبها من المعادلة السياسية في أزمة الشرق الأوسط، التي جوهرها قضية فلسطين.

 استمرت مواجهة م.ت.ف لمشاكلها والتحديات التي تجابهها على امتداد السنوات الخمس التي تلت الغزوة الصهيونية، بين مد وجزر، دونما أية حلول لها في الوقت الذي كانت فيه أوضاع الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة منذ 1967 قد وصلت حدود الاحتقان الذي يسبق الانفجار، بسبب طول فترة الاحتلال وتزايد الممارسات الارهابية الاسرائيلية.

 فمع إطلالة عام 1987، كانت م.ت.ف قد استعادت الكثير من وزنها السياسي، بعد صمودها في حرب المخيمات واستعادة مواقع لها في لبنان، وتصاعد الجهود لاستعادة الوحدة الوطنية، وتعاظم التأييد الشعبي لها في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما كانت م.ت.ف مزودة بحصيلة من القرارات الدولية الداعمة لها، كانت أخر حلقة فيها ما صدر من قرارات عن مؤتمر القمة الإسلامية الذي انعقد في الكويت بين 26-28 كانون الثاني/ يناير 1987، وعزز موقف م.ت.ف كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.

ولقد نشطت منظمة التحرير الفلسطينية في تحركاتها الدولية لدعم مواقفها، وكان من أولوياتها إفشال النشاطات الأمريكية-الاسرائيلية التي كانت تدعو لتسوية عبر مفاوضات مباشرة مع الأردن بمعزل عن م.ت.ف وكان حظ م.ت.ف في هذا المجال هو الاصرار على الدعوة لعقد مؤتمر دولي تشارك فيه بوفد مستقل على قدم المساواة مع الأطراف المعنية الأخرى.

 كانت نشاطات م.ت.ف موزعة على عدد من الجبهات:

 أولا:ً جبهة المحافل الدولية، كالأمم المتحدة، والتكتلات الدولية، ومنها دول السوق الأوروبية المشتركة.

 ثانياً: جبهة المؤتمرات والندوات والمهرجانات التي كانت تنظم في مختلف القارات للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتعميق الوعي الدولي على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام حول قضية فلسطين وأزمة الشرق الأوسط وأهميته، وكان يشارك في هذه النشاطات منظمات غير حكومية، وهيئات إنسانية، ودبلوماسية وإعلاميون ورجال فكر وأدب وفن.

 ثالثاُ : جبهة التحركات الدبلوماسية التقليدية واللقاءات الثنائية، والزيارات الرسمية والخاصة.

 وتمكنت م.ت.ف من انتزاع جملة من القرارات الدولية، من مختلف هذه الجهات حول قضاياها ومشاكلها المختلفة، ولا سيما في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نددت فيها بالممارسات القمعية الاسرائيلية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، مؤكدة أن هذه الممارسات تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وطالبت الجمعية العامة اسرائيل بالاستجابة لمبادئ القانون الدولي والتخلي عن سياسة القمع، ودعتها لإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين الذين زج بهم في السجون بدافع مقاومة الاحتلال، كما نددت الجمعية العامة بأساليب التعذيب الاسرائيلية التي تمارس على المعتقلين السياسيين، مؤكدة أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، تنطبق على أهالي الأراضي العربية التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1967، كما دعت الجمعية العامة الى عزل اسرائيل ووصفتها بأنها دولة غير محبة للسلام، واعتبرت الإشراف الاسرائيلي على مدينة القدس لاغياً وباطلاً.

 ولم تكن دورة الجمعية العامة هذه قد انتهت، عندما انعقد مجلس الأمن الدولي بصورة طارئة، وللبحث في تطورات الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك بناءً على طلب تقدمت به زيمبابوي بصفتها الرئيس لحركة عدم الانحياز بناءً على طلب من م.ت.ف، وقد دان المجلس بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، إقدام إسرائيل على قتل طلاب فلسطينيين في جامعة بير زيت وجرح آخرين، ودعاها الى الالتزام الحرفي باتفاقية جنيف لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب.

 ومع أن الجمعية العامة جددت دعوتها، وبأغلبية مطلقة، الى مؤتمر دولي للسلام وطالبت كذلك بتشكيل لجنة تحضيرية للتمهيد لعقد هذا المؤتمر، فإن التحرك الميداني لعقد هذا المؤتمر لم يحقق في العام 1986 أي تقدم في مجابهة الرفض الاسرائيلي المطلق، وشروط الولايات المتحدة التعجيزية، وكما كانت الساحتان الفلسطينية والعربية منشغلتين بما في داخلهما من خلافات، والحرب الإيرانية-العراقية تتصدر الأحداث، فإن الحماسة الأوروبية فترت في تحركها، بل شهدت تراجعاً لدى بعض دول السوق الأوروبية، ولم يبق ثابتاً في موقفه من قضية المؤتمر الدولي، غير الدول الاشتراكية، وبخاصة الاتحاد السوفيتي، الذي عبر مراراً عن ألمه لغياب الوحدة الوطنية الفلسطينية، وانعدام الحد المطلوب من التضامن العربي، كما أن الولايات المتحدة كانت تمر بأزمة فضيحة " إيران- كونترا " التي أفقدت إدارتها الكثير من مصداقيتها، وأصابتها بحرج شديد أمام حلفائها الأوروبيين الذين استشعروا مدى خطورة ما تتعرض له مصالحهم في المنطقة بسبب الحرب العراقية-الإيرانية، ولما كانت حكومة واشنطن قد أضاعت فرصة الاستفادة من "اتفاق عمان " قبل إلغائه فإنها لم تمانع قيام تحرك أوروبي غربي على هذه الجبهة، وكانت بلجيكا تترأس دول السوق في تلك الفترة وكان وزير خارجيتها صريحاً عندما أكد أن بيان البندقية لعام 1980 لايزال يمثل الانطلاق للموقف الأوروبي بشأن الشرق الأوسط، وأن المجلس الوزاري للسوق يدعو مجدداً لانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي المحتلة عام 1967، وإعطاء الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير، واشراك منظمة التحرير الفلسطينية في مساعي التسوية، وكانت اليونان وأسبانيا في طليعة الدول الأكثر تفهماً لموقف م.ت.ف تليها إيطاليا وفرنسا، أما بريطانيا وبشخص رئيسة وزرائها مارغريت تاتشر، فلقد كانت تقف في أخر الصف الأوروبي حتى لتكاد تكون في موقفها أقرب الى الموقف الأمريكي.

 وجاء بيان بروكسل، في 23 شباط/ فبراير1987 داعماً لفكرة عقد المؤتمر الدولي، مما خيب آمال رئيس حكومة اسرائيل "اسحق شامير" الذي كان ولايزال مصراً على رفض المؤتمر الدولي فكرة واسلوباً ومضموناً، وأنعش الى حد ما تطلعات شيمعون بيريز وزير خارجيته الذي كانت دول أوروبا تراهن على إمكانية نجاحه في الانتخابات الاسرائيلية المرتقبة وتسلمه مهام رئاسة الحكومة.

 وبانتظار تلك الانتخابات الإسرائيلية وذاك الرهان، استمرت التحركات الدبلوماسية من دون نتائج ذات قيمه، ولا سيما بين الدولتين العظمتين، رغم ما أبدته موسكو من مرونة في إطار علاقاتها الثنائية مع اسرائيل في موضوع هجرة اليهود السوفيت.

 وهكذا استمرت عقدتا اعتراف م.ت.ف بقراري مجلس الأمن 242 و338، وتمثيل م.ت.ف بشعب فلسطين في جهود التسوية السياسية، بانتظار معطيات جديدة على الساحتين العربية والدولية وقبل أن يطوى العام 1987 أسابيعه الثلاث الأخيرة، اندلعت انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة، لتفرض من خلال مستجدات منحى جديداً للمسيرة النضالية الفلسطينية وتحولات عميقة، ولتصبح علامة فارقة في تاريخ قضية فلسطين المعاصر.

 بداية الإنتفاضة

 بدأت الانتفاضة في الثامن من كانون الأول "ديسمبر" 1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم "في إسرائيل" العائدة مساءً الى قطاع غزة المحتل، على وشك القيام بوقفتها اليومية المقيتة أمام الحاجز الإسرائيلي للتفتيش حينما داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى الى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع) ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرآى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع بركان الغضب الشعبي صباح اليوم التالي من مخيم جباليا حيث يقطن أهالي الضحايا الأبرياء ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداءه بعنف أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، وذلك لدى تشييع الشهداء الأربعة، وقد شاركت الطائرات المروحية قوات الاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين، وقد استشهد وأصيب في ذلك اليوم بعض المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.

وفي 10/12/87 تجددت المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال حيث عمت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة في أكبر تحد لسلطات الاحتلال واجراءاتها التعسفية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقد واجه أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال بصدورهم العارية، وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، مما أدى الى استشهاد وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال.

وفي قطاع غزة تحول الصدام بين الجماهير وقوات الاحتلال الى معركة حقيقية حيث كانت المدينة مغلقة تماماً، والطرق مسدودة بالمتاريس، وجميع المدارس والجامعات علقت الدراسة، والشوارع يملؤها الحطام، والدخان الأسود المنبعث من الإطارات المحترقة، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وصور الشهداء، وصور القائد أبو عمار، وتعالت الهتافات المنددة بالاحتلال وقمعه وبطشه وقد اعترف ناطق باسم جيش الاحتلال واصفاً ذلك اليوم المتأجج قائلاً: أن قنبلة مولوتوف القيت على عربة عسكرية وأن الأمور ساخنة جداً وتصاعدت الانتفاضة يوماً بعد يوم حيث تصدى الشعب الفلسطيني بأكمله بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الاسرائيلية، ويومياً سطرت الجماهير الفلسطينية آيات من المواجهة البطولية للمحتلين وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى من أبناء فلسطين في أضخم انتفاضة جماهيرية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات طويلة بل شهدها العالم الحديث وأطولها حيث انتهت في الخامس من آيار 1994 وذلك مع دخول القوات الفلسطينية المحررة الى أرض الوطن بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطينية الاسرائيلية – أوسلو.

 أسباب الانتفاضة

 الإحتلال الإسرائيلي:

سبب دائم وهو الاحتلال الاسرائيلي ذاته الذي دام أكثر من عشرين عاماً من الاضطهاد والظلم والممارسات اللاإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، فالاحتلال المستمر يولد ضغطاً نفسياً يزداد شيئاً فشيئاً أدى الى اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني.

 الحصار السياسي والعسكري:

الحصار السياسي والعسكري الذي أحاط بمنظمة التحرير الفلسطينية في الخارج والحصار الشامل الذي يحيط بالفلسطينيين في الداخل منذ عشرين سنة، كان لابد للفلسطينيين من أن يتفجر النضال باسلوب جديد وعلى قاعدة جديدة، وهكذا انتقل من إمكانية التحرير من الخارج الى الأمل بحتمية التحرير من الداخل لأنه بات واضحاً صعوبة المرحلة في تطبيق الكفاح المسلح لأكثر من سبب يكفي منها فقدان المرتكز لحدود مجاورة مما ولد الاحساس لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأن الدور هو دورهم باعتبارهم الأكثر أهلية وقدرة على التحرك.

 الممارسات العدوانية الإسرائيلية:

وفي المرحلة نفسها تابعت اسرائيل ممارساتها العدوانية المعتادة ضد الجنوب اللبناني فكثفت غاراتها الجوية وقصفها المدفعي ضد القرى والمخيمات، إضافة الى سياسة القبضة الحديدية الاستفزازية التي مارسها الجيش الاسرائيلي داخل الاراضي المحتلة.

 إنحسار الإهتمام العربي بمركزية وقضية فلسطين:

وعلى الصعيد العربي جسد مؤتمر القمة العربية المنعقد في الاردن نوفمر 1987 انحساراً بارزاً لأهمية القضية الفلسطينية، وبات الحديث عن مركزيتها لا يتجاوز اللفظ دون أي تخطيط.

 إهتمام السياسة الدولية بقضايا أخرى:

على الصعيد الدولي سيطر الجمود الذي كان يحول دون كسر جليده التصلب الامريكي المعهود والأولوية السوفيتية لقضايا حرب النجوم ونزع السلاح النووي والتحدي الاسرائيلي الدائم لفكرة المؤتمر الدولي طريقاً للسلام.

 الإشتباكات الفدائية الفردية:

شهد العام الذي سبق الانتفاضة سلسلة من الانتفاضات الصغيرة والاشتباكات داخل الاراضي المحتلة جعلتها بركاناً على شفير الانفجار إضافة إلى العملية العسكرية الشراعية التي نفذها احد افراد جماعة احمد جبريل في قاعدة للجيش الاسرائيلي في الجليل بنجاح كبير.

 العامل الديموغرافي:

العامل الديموغرافي كان له دور رئيسي في بعث الانتفاضة، فالفلسطينيون حقيقة لن يعودوا تلك الاقلية التي يستطيع الاحتلال حصرها في القمقم، والاهم هو انتماء اكثر من نصفهم الى الجيل الجديد الذي ولد وعاش في ظل الاحتلال وقيوده، بينما حملته تطلعاته الى اجواء الثورة التي لا تحجبها قيود.

 سوء الأوضاع في فلسطين:

سوء أوضاع فلسطين المحتلة منذ عام 1967، التي كانت تسير من سيء الى اسوأ لما تميز به الاحتلال الاسرائيلي على غيره من الاحتلالات الاخرى باداعاءات مسعورة كاذبة من أنه صاحب الأرض والتاريخ والمستقبل، وتميز بسيطرة تعسفية على كل الأصعدة من خلال قانون الطوارئ الى المخططات الاستيطانية، ومحاولات التهويد، ونسف البيوت واعتقال الآلاف من المواطنين وفرض العقوبات الجماعية والسيطرة على مرافق الحياة، ومصادرة الارض، ونهب الموارد المائية والحرب الاقتصادية واقفال المؤسسات العلمية والنقابية والمهنية واعتماد البيروقراطية البطيئة بهدف الاذلال، وصولاً الى ما هو اهم واكثر مصيرية، وهو حرمان الشعب الفلسطيني من هويته الوطنية.

 
سمات ومظاهر الإنتفاضة

لقد اتسمت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية العارمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ اندلاعها في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1987، بالشمولية والاستمرارية وترسيخها لحقيقة بارزة مفادها أن جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والجليل والمثلث والنقب بدت أكثر من أي وقت مضى موحدة في مواجهة الاحتلال ورفضه، ملتزمة بموقف سياسي موحد قاعدته وحدة المصير، وأهدافه تحقيق الاستقلال الوطني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مكان وجوده.

 

أهمية ومغزى الانتفاضة:

 خلقت الانتفاضة ظروفاً موضوعية جعلت القيادة الفلسطينية تبحث إمكانية تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة في المنفى مع ما يعنيه ذلك من دلالات مهمة على ان الانتفاضة مهدت الأساس المتين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

وأكدت الانتفاضة أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب في كل أماكن تواجده بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948 وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الشعارات التي انطلقت منها الانتفاضة، كما أكدت في الوقت نفسه ان أي حل يجب وبالضرورة ان يمر عبر بوابة الشرعية الفلسطينية.

واعادت الانتفاضة الفلسطينية الأولوية الدولية وضرورة ايجاد حل لها، واصبحت على رأس النزاعات الاقليمية في العالم وكذلك اضافت عناوين جديدة الى الملفات الدولية وعلى رأسها ان مسألة حقوق الانسان تعني بالضرورة حقه بكيان مستقل ووطن خالٍ من قوات احتلالية تصوب النار باتجاه اطفاله. وعلى الصعيد الفلسطيني عبرت الانتفاضة عن فهم عميق لمتطلبات المرحلة النضالية الحالية، فامتنع آلاف العمال الفلسطينيين في المصانع الاسرائيلية من الذهاب الى اعمالهم مما ترك اثره المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي المنهار أساساً كما ان الدعوة الى العصيان المدني والاضراب الشامل ومقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية تعبر عن اساليب فلسطينية جديدة في مسار النضال الوطني لتحقيق الاستقلال وذلك من خلال مقاومة العدو بكافة الوسائل المتاحة لجعل احتلاله مكلفاً من جميع النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى صعيد الرأي العام العالمي.

وأكدت الانتفاضة وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بانضمام فلسطيني الأراضي المحتلة عام 1948 الى اشقائهم في الاراضي المحتلة منذ عام 1967 جسد قوة وجذور الهوية الفلسطينية العربية الاسلامية، وجسد الوعي الوطني الفلسطيني الذي عززته الاتصالات ما بين الفلسطينيين في كل المناطق الفلسطينية المحتلة.

 المشاركة:

 لقد كان العمل النضالي الجماهيري قبل الانتفاضة في طور التشكيل لأنه بطابعه العام تضامني مع مسيرة الثورة في الخارج وامتداد جماهيري له، وفي نفس الوقت حمل في أحشائه بذور التجدد والتطور وما ينسجم مع خصوصية الأرض المحتلة ومن خلال العمل والمواجهة حمل على مستوى الوعي، شمولية في التفكير وفقاً لحجم الفعل الاحتلالي الذي طال كافة جوانب حياة السكان. وتجذر ذلك في بؤر ومحطات رئيسية احتضنه وشكلته وأهمها: المعتقلات والجامعات والمخيمات الفلسطينية بعد تجربة البلديات عام 1976م والتي مثلت لها لجنة التوجيه الوطني المرشد للنضال الجماهيري، لعبت الحركة الطلابية الدور الريادي في الصراع مع الاحتلال، فنزل قطاع الشبيبة إلى الشارع لمقاومة ومصارعة الاحتلال مباشرة، فقطاع الشبيبة الطلابية في المؤسسات التعليمية لعب دوراً بارزاً في تسيير المعادلة لصالح الصدام المستمر مع الاحتلال ورغم مشاركة بعض فئات المجتمع في الأنشطة الوطنية إلا أنها بقيت جزئية عارضة مؤقتة نسبية بمعنى أنها لا تحدث جوهر التراكم بل تدعم شكله وبقيت القاعدة اللوجستية التي تتكفل بتحمل النتائج - الأب، الأم، الاخوة، الأخوات، الجيران، الحي، البلدة، الجمعية، المؤسسة، المستشفى. ومثلت حاضنة للفعل وتقبلته وتفاعلت معه مما أدى لانتشار البؤر وتأثيراتها، وما حدث بالانتفاضة هو أن المساهمة والمشاركة في النضال انتشرت أفقياً وعمودياً، حتى أن قوة المجتمع أصبحت في المشاركة وفي كل الأنشطة والفعاليات الحياتية الأخرى واحدة ومثل هذا مظهراً جديداً للنضال الجماهيري.

 إن حجم المشاركة وأشكالها من نضالات وتضحيات وتكافل ..الخ، هي واحدة من أهم المميزات الحاصلة بفعل الانتفاضة والتي لا يوجد لها مثيل طيلة 40 عاماً من النضال فالتقى أكثر من أربعة أجيال خلف المتاريس في مواجهة الرصاص والغاز الخانق .

 العلاقات الاجتماعية:

 كان بالانتفاضة مظاهر عديدة وملموسة منها في ميدان العلاقات الاجتماعية والعلاقات بالمعنى الواسع للكلمة .وبالرغم مما أحدثه الاحتلال من تغييرات جوهرية على البنية الاجتماعية الفلسطينية وتكسيره لنسق تطورها إلا أن المجتمع الفلسطيني الذي تميز بالحيوية والقدرة على تكييف أوضاعه وهذه تمايز بها وبتفوق على الشارع الاحتلالي نفسه، وأفرز شكلاً غير حاد الفواصل متمايز إلى حد ما داخلياً ومتلاحم ضد الأخر "الخصم " من المراتب الاجتماعية وهنا يصعب القول بوجود تشكيلات طبقية فلسطينية، بالمعنى السوسيولوجي الدقيق بحكم الظروف التي أوجدها الاحتلال ولذا يمكن القول أنه ما من أحد في التراتب الاجتماعي إلا ووقع عليه تأثير الاحتلال. في الجانب الآخر لقد أعطت الانتفاضة مضموناً جديداً وفعالاً لشكل العلاقات الأسرية والعائلية الضيقة باتجاه أكثر عمومية وشمولية وطنية فقد انفتحت الأسرة على محيطها أكثر بالمعنى الضيق والواسع.

كما أن الشعور الجماعي بالاستهداف عزز الترابط العضوي واللحمة بين وحدات البنية الاجتماعية الفلسطينية وفي إطار ذلك توجد صياغة متطورة بحاجة لبلورة على صعيد العلاقات داخل الأسرة نفسها "الأخ مع أخته والأب مع أبنائه وزوجته" وعلى قاعدة الفعل النضالي بأن يقوم الزوجان مثلاً بتأنيب أبناءهما إذا لم يشاركوا في المظاهرات باستخدام كلمة عيب أو بضربهم.

 إن جسم العائلة والعشيرة وهي تنظيم عنيد في المجتمع وظف لصالح الموقف الوطني وعلى حساب رابطة الدم، ,هذا الشكل الحي والمنظور يعد تحولاً نوعياً كبيراً " مثلاً أسرة تتخلى عن أحد أفرادها العملاء وتهدر دمه وتشارك في إعدامه أو كبير عشيرة يأمر أحد أبناءها الالتزام بالمراسيم التي حررتها الانتفاضة للزواج والمهر علما بأن شكلها القديم كان يعبر عن مكانه العشيرة . وهذا ينطبق أيضاً على العلاقات التي يحددها قرب أو بعد المسافة للرجل والمرأة من تحصيل الدخل او الارتباط بالعامل الاقتصادي سيما في فترات لا تتوفر بها فرص عمل وتوقف العمال عن العمل في مصانع الاحتلال داخل فلسطين المحتلة عام 48 وفي فترات الحصار الطويل ودور التكامل الاجتماعي والاقتصادي في التعويض عن ذلك.

لقد كان للحراك النضالي المتصاعد الذي أحدثته الانتفاضة بمشاركة شاملة لمختلف الشرائح أثراً في تجاوز الفوارق الشكلية اجتماعياً وسياسياً أيضاً على صعيد الفصائل والقوى لصالح صيغة أكثر لحمة وائتلافاً وتقارباً وعضوية فعند محاصرة قرية ..تهب القرى المجاورة لدعمها بكل ما تملك وبالذات نضالياً وغذائياً ويقوم التجار وأصحاب العقارات وبالالتزام بتخفيف إجارات العقارات وعدم استغلالهم للأوضاع لرفع الأسعار والتزامهم بالبرنامج الذي تقره القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة. وفي هذا الإطار أعطت الانتفاضة للروابط والمشاريع الدينية بعداً وطنياً فاعلاً وداعماً للانتفاضة فعلى مستوى الشعب نلاحظ أن المقدسات الإسلامية والمسيحية وضرورة تحريرها قد لعبت دوراً في تعزيز مشاركتها بالنضال،. بحيث لعبت المساجد والكنائس دوراً بارزاً في النضال المستمر ضد الاحتلال وشكلت منابر تعبوية للجماهير، فبناء على توجيهات القيادة الموحدة تذهب الجماهير إلى الجوامع والكنائس أيام الجمع والأحاد كي تتحول الصلوات إلى مظاهرات حاشدة ضد الاحتلال، هذا الدور الذي أعطته الانتفاضة لها قد عزز من ذوبان الفوارق الشكلية بين كافة الانتماءات الأيديولوجية والسياسية والمذهبية ودعم تنامي العلاقات المبنية على أسس وطنية واضحة كفاحية تخدم حشد كافة الإمكانيات والطاقات في وجه الاحتلال تحت راية الشعب راية فلسطين، راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

 الشكل التنظيمي:

 إن من أبرز المميزات والخصائص التي تلاحظ في الانتفاضة بل وربما في كل التجربة الفلسطينية ككل هي إعادة إنتاج المنهجية التنظيمية بطريقة تعدت المألوف من تطبيقتها العملية لتأخذ طابعاً عضوياً وسلوكياً يتفصل على مستوى نشاط الفرد والجماعة مع متطلبات التضحية المتصاعدة لحركة الشعب مما أهلها لإحداث تحولات وتغيرات في العلاقات والبنى والمفاهيم والأذهان، ولم تعد مقتصرة على بؤر نخبوية، بل أخذت طابعاً عمومياً شمل كافة مجالات المجتمع أفقياً وعمودياً وقد كان هذا الإسهام للانتفاضة قد ولد تاريخياً وتصاعد بوتائر تطورية لطبيعة الفعل والحدث داخل الأرض المحتلة وبما ينسجم مع وعي الشعب لطبيعة الاحتلال الإسرائيلي وأهدافه التدميرية لمجتمعه وأرضه وإنسانه مثل:

 المعتقلات:

 التي أوجدت دوافع تاريخية في المجتمع الفلسطيني ولعبت دوراً بارزاً في تجسيد هذه الخصوصية وعلى رأسها المعتقلات التي بناها الاحتلال بهدف قتل الإنسان الفلسطيني وقيمه النضالية وتحويله إلى كم مهمل أوتحييده أو تخريجه بائساً محبطاً مفسداً لمجتمعه. وهذا النموذج من الإنسان الفلسطيني الذي حاول الاحتلال خلقه قد تحطم وفشل على صخرة معاناة المعتقلين وجلدهم وإصرارهم على مواصلة المسيرة وعناق الشمس رغماً عن ظلام أقبية السجون حيث كان شعارهم الأساسي " نجوع نجوع ولا نركع" ومواجهة الايديولوجية المحتلة وتجسيداتها وضد الخبر الضيقة للصراع الملئ بأساليب وأشكال القتل النفسي والمادي والفري والجماعي وانتزع المعتقلون مطالبهم من فم الاحتلال.

ورغماً عن القيد والسلاسل، وتحولت المعتقلات بالفعل لمدارس ثورية حقيقية، المجتمع مصغر مقاتل، منظم بدقة وبتربية تنظيمية ووفقاً لمنهجية علمية شاملة مادية وفكرية، فمئات الآلاف من الأسرى قد شكلوا رسلاً لهذا المنهج في القرب والمخيمات والمدن والأحياء، فتفاعلت هذه التجربة الغنية مع كل المجتمع جغرافيا وديمغرافيا، مما شكل القاعدة في الوعي المتطور التي لعبت دوراً بارزاً في إنضاج الطابع العمومي لفعاليات الانتفاضة، حتى أن الوعي الجماعي قد تمفصل مع هذه التجربة متحولاً من شكله الحماسي إلى وعي مؤطر ومنظم قادر على تجديد نفسه في أطر وهياكل تتبع المنهجية التنظيمية المتسعة دوماً على حساب التلقائية والعفوية والعشوائية وهذا يساعد بقوة في تصليب ميكانيزمات حركة المجتمع النضالية وجذرها لتندعم بإمتداداتها المتكاملة على الصعد الاجتماعية والاقتصادية السياسية والنفسية فعمل هذا القادر على تصليب عود الحركة الوطنية ورفدها بالتجربة التي عملت على الوصول للمزيد من الجماهيري وتفجير طاقاتها ومبادرتها اللامحدودة.

 الجامعات:

لعبت الجامعات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة الدور البارز في تشكيل صيغ المواجهة والنضال الجماهيري الأكثر عمومية وتنظيمية وانضباطاً، فهي الحاضنات المقاومة التي مكنت الأسرى من إعادة انتاج تجربتهم في أوساط شعبهم فتصدرت الحركة الطلابية داخل الأرض المحتلة المسيرة النضالية بعد تجربة البلديات عام 76م، حتى أن خريجيها الذين استطاعت المؤسسات استيعابهم قد لعبوا دوراً في تصليب عود الوطنية الاجتماعية الاقتصادية والإعلامية ولعبوا دوراً بارزاً في نقل وترجمة التجربة الجامعية النضالية لفعل شعبي مؤطرعلى مستوى مواقع سكناهم يداً بيد مع المعتقلين والكادر المتنافي في موقع سكناه . وهذا ساهم بفعالية في جسر

الهوة التي تحول دون دخول فكرة الثورة ومقارعة الاحتلال لكل أسرة وبيت، وكل ذلك في سياق تعبوي مستمر وبتفاعل جاد عمل على اختصار فكره السرية في العمل النضالي المؤهلة للاقتراب من الشعب وليس فقط في إطار النخبة، كل ذلك دفع الاحتلال لإغلاق كل المؤسسات التعليمية في الأرض المحتلة.

 المخيمات:

أما المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع كانت القلاع والمحطات الأوسع التي جاء تفاعلها مع هذه المضامين أسرع من بقية المواقع السكانية الأخرى فجباليا وبلاطة أصبحا رمزين واضحين لمسيرة المخيمات الفلسطينية التي اتبعت المنهجية الثورية التنظيمية على مستوى الشعب وظروف المخيمات التي تحياها تساعد في هذا الانضاج، مما أهلها لحمل سمات الانتفاضة حتى قبل بدءها، فالفقر والاكتظاظ السكاني والحيز الضيق الذي يحوى عشرات الآلاف من السكان في ظروف معيشية صعبة للغاية على كافة الأصعدة قد أهلتها بتوفير مقومات الثورة المنظمة للتمرد دوماً على الواقع الاحتلال، فجاءت المخيمات ممثلة الإطار الشعبي الأوسع الذي احتضن هذه المنهجية وطورها حتى أن الاحتلال أقدم على بناء سور عال على حدود كل مخيم بالإضافة للأسلاك الشائكة وإغلاق كافة مداخلها بالجدران الأسمنتية العالية لفصلها عن المحيط الخارجي. وقد شكلت الأطر التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي دخلت كل هذه المستويات المذكورة أنفاً، سواء بسرية او بعلانية أم بكلتيهما، البنى التي اختمرت بها التجربة القائدة الموجهة والمرشدة والتي انتشرت تجربتها وهياكلها لتصبح شعبيتها أكثر عمومية وشمولاً مسلحة بتوجيهات القيادة الموحدة للانتفاضة فتجربة النخبة التقت مع تراكم في المحيط من وعي ونضالات وتجارب وإبداعات فحدث التكامل وفقاً لرؤية التعليم والتعلم، وما تعبير الشبيبة داخل الأرض المحتلة الا لإطار لأوسع الذي تفاعل مع كل هذه المستويات واقتحم كل السدود مما دفع وزير دفاع الاحتلال لحظرها واعتبرها عضوية للثورة يحاكم صاحبها عليها علماً بأنها إطار جماهيري نقابي.

بهذا المعنى شملت الخبرة العملية والمعرفة النظرية الفرد والجماعة وأخذت طابعاً شعبياً لم ينحصر في النخبة بل أصبحت وعياً جماعياً من دور الضمير الجماعي للشعب الموجه والمنظم من قيادته، مما أنتج النموذج الملاحظ للانتفاضة، فلقاء تجربة النخبة مع تشكلها في الوعي الجماعي المرتبط بمسيرة الثورة بكل سماتها قد أعطى الانتفاضة سمات أساسية أهلتها للاستمرار واقتحام كل مستويات الحياة المجتمعية وبهذا المعنى أيضا تجاوزت تنظيمية الانتفاضة تجسيداتها في التجربة العربية سواء أكانت إجرائية أو وظيفية أم إدارية لتصبح سلوكية فردية وجماعية شملت أصغر جزئيات حياة الشعب لأعم شموليتها وتماشت مع الواقع المتجدد للانتفاضة، مما أدى إلى بلورة مظاهر واعية لهذا السلوك وخلقت تقاليد وقيم نضالية وكانت وراء إبداعات ومبادرات جماهيرية في المواجهة والتضامن وساهمت هذه العملية التربوية المقاومة في خلق مستوى من الالتزام والانضباط الفردي والجماعي بحيث شكلا معاً حراساً وحماه للقيم والإنجازات، مما أبرز سلوك الانضباط كمؤشر يومي على مدى الالتزام بالقرار الجماعي، فعندما أقدم جيش الاحتلال على كسر أبواب المحلات التجارية محاولاً كسر برنامج القيادة الوطنية الموحدة وبقيت هذه المحلات مفتوحة لم يتم تسجيل حادثة سرقة واحدة بل جاء التاجر ووجد محله مغلقاً وبه مفتاح وقفل جديدين "حتى أن الاحتلال نفسه قد أصبح أسيراً وواقعاً في مجال استراتيجية الانتفاضة وهذا ملاحظ من برامجه لتحديد كثافة جيشه واعداده أثناء فتح المحال التجارية وإغلاقها.

 سمات أساسية:

إن المستويات الثلاث في الانتفاضة المشاركة، العلاقات الاجتماعية، الشكل التنظيمي والتطور النوعي الذي اتسمت به كل منها بشكل تاريخي مع تطور الانتفاضة والتأثيرات التي خلقتها وتخلقها عبر عملية التفاعل اليومي في المجتمع الفلسطيني وعبر هذه المنهجية في التعاطي رشح الانتفاضة لأن تصوغ سماتها الأساسية التي أهلتها في ذات الوقت للاستمرارية وأهم هذه السمات هي:

 الشمولية الأفقية والعمودية:

فالانتفاضة هي ثورة الشعب كل الشعب، بكل فئاته وقواه واصبحت التمايزات النكرية والسياسية ثانوية أمام مواجهة الاحتلال، ويكفي أن يسير المواطن في غزة أو الضفة حتى ينهال عليه جنود الاحتلال بالضرب المبرح وقد يعتقل ويتم تكسير أطرافه بدون أي تهمة أو استفسار عن هويته ويكفي أن ينام الفلسطيني في بيته حيث يأتي الجيش الاسرائيلي ليلاً ويعتقله من البلد حتى لو لن يشارك بشئ من فعاليات الانتفاضة وبنفس المستوى تشارك كل شرائح الشعب وتعم هذه المشاركة كل القرى والمخيمات والمدن والأحياء وتقف معاً بطريقة تضامنية تربك الاحتلال وتضعف بذلك الضغط عن المواقع الأكثر سخونة والمحاصرة، فالجميع يعزف لحن الحرية على أنغام الحجر والمولوتوف والمقاليع والعصي وسط ازيز الرصاص والغاز السام والطائرات وحرق البشر وهم أحياء كما فعل الاحتلال وفي هذا الاطار يجب التأكيد على الدور البطولي الذي قامت به جماهير الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 48 والتي كان لها مردود قوي على معنويات الشعب بكامله وزادت اللحمة الفلسطينية الهوية والأرض والممثل والهدف.

 نمطية جديدة من الوحدة:

جسدت هذه السمة نمطية جديدة متطورة من الوحدة الوطنية، ليست وحدة برامجية رمادية أو وحدة قيادات أو فصائل بل هي وحدة كل الشعب في ميدان المعركة والمواجهة، فجاءت هذه الوحدة ليست سياسية متطوعة الجذور بل سياسية مدعمة بمشاركة وعلاقات وتفاعل منسجم متكامل اجتماعيا واقتصاديا ومعنويا ونفسيا وهي بذلك انسجمت مع مستوى الوحدة القائمة في وعي الشعب لظروفه وواقعه ومتطلبات تغيره "وعي الشعب وفعله" فإذا كان الاحتلال قد اغلق كل المؤسسات التي تقدم خدمات للشعب بالرغم من قلة عددها وضيق حيز تفاعلها وتركزها في مناطق دون أخرى، إلا ان الضمير الجمعي للشعب قد ولد سلوكاً ومعيار شاملاً عوضاً عن ذلك، مما أفشل الحصار التجويعي الذي فرضه الاحتلال على الانتفاضة وبالرغم من عزل الانتفاضة اعلامياً عن محيطها والعالم وبالرغم من استمرار الاحتلال في بطشه وجبروته أستطاعت العديد من المناطق أن تعلن عن نفسها كمناطق فلسطينية محررة تمارس بها سلطة الشعب وتحت الراية الفلسطينية، ويتم بها حل كافة أجهزة الادارة المدنية وتشكيل أجهزة بديلة وطنية تمارس السلطة وتشرف على كل المجريات الحياتية لهذا الموقع النضالي وقد لعبت اللجان الشعبية الدور القائد في كل موقع بتوجيه من القيادة الوطنية الموحدة مما أدى لتصليب عود هذه اللجان بحيث أوكلت إليها ق.و.م. كقيادة وسلطة في موقعها مهمة رسم برنامج نضالها اليومي وأصبحت تحدد لها الأسس العاملة للتحرك وأيام الاضراب الشامل كما جاء في نداء الانتفاضة رقم 26 على سبيل المثال: وعدا عن ما تقدمه م.ت.ف. على الصعيد الاقتصادي نلاحظ أن هذه الوحدة قد شكلت الاطار الذي يضم بداخله كل اشكال التضامن والتكافل النضالي والغذائي.

 سرية وجماعية القيادة:

إن المنهجية التنظيمية قد أنتجت قيادة للانتفاضة هي امتداد سياسي وذراع كفاحي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتمنعت بمواصفات منسجمة مع هذه المنهجية فهي ذات وعي متقدم سياسياً واجتماعياً وتتمتع بمعرفة دقيقة بطبيعة عدوها ومسلحة بخبرة واسعة في مقارعته وقد جاءت نتاجاً للمؤسسة التنظيمية فهي لم تسقط على الشعب من أعلى بل إن رصيدها الكفاحي ووعيها والتزامها واستعدادها للتضحية هو الذي أهلها لهذه المسئولية وليس لأصولها العائلية أو العشائرية أو بالوراثة فالقيادة بذلك هي شديدة الاقتراب والعضوية والتماس والتعبير عن الوعي الجماعي واستطاعت أن تسير بتجربة هائلة حملتها أجيال متعاقبة بتواصل حضاري قائم على فهم الوحدة والتناقض بين هذه الأجيال فحمت أجهزتها وعززت علاقتها العضوية بالشعب وبقي ولاءها للوطن والثورة والالية التنظيمية للوصول للأهداف فلم تعمل لشخصها او تحاول خلق ولاءات ذاتية تتعارض مع هياكل الانتفاضة، فسريتها ومنهجها عاملان حددا حتميه نجاحها في التعليم من الشعب وتوجيهه وارشاده وبالتالي لم ترتبط المسيرة بشخصها فرداً أو جماعة بل عملت الهياكل على حماية نفسها في حال تعرضها للخطر أو الضرب أي مستوى قيادي بها فهي متجددة بالولاء للفعل وحملت قسماته المنهجية المنظمة في الفكر والأسلوب والممارسة وهذا ترك المجال رحباً امام مبادرات الجماهير ومن جوانب قدره هذه القيادة التي قامت بالتقاط الصور اليومية المتجددة وبلورتها ورقدها بأس للحركة مما دفعها نحو المزيد من العمومية والشعبية بفعل متبادل مضبوط والتزام جماهيري خلاق جدير بالدراسة والتقدير مقومات التجدد.

امتلكت الانتفاضة مقومات تجديد نفسها سواء على مستوى القرار أو على مستوى المشاركة الجماهيرية والبعد التضامني المعزز بوعي الواقع أمام المعاناة الجماعية والمصير والهدف الواحد مما لعب دوراً في تجديد سخونة الواقع فسقوط شهيد يعني افراط المزيد من الشعب في المعركة وتصاعد في سخونة أي منطقة تعيش فترة هدوء نسبي استراحة مقاتل وهذا زاد من مأزق الاحتلال فإذا شدد القبضة الحديدية تعززت الانتفاضة شعبياً وتصاعدت حدتها وإذا خف بطشه تتعزز السلطة الشعبية فوجود الاحتلال حالياً هو مبرر دائم ويومي للاستمرارية.

 هذه أهم السمات التي حملتها الانتفاضة والتي تحمل في ثناياها العديد من السمات الجزئية التي أهلتها للتنامي والاستمرارية حتى حققت أهدافها.

المصدر: كتاب فلسطين الثورة، أحداث 13 شهادة سوسيولوجية في الانتفاضة

 أهمية ومغزى الإنتفاضة

 خلقت الانتفاضة ظروفاً موضوعية جعلت القيادة الفلسطينية تبحث إمكانية تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة في المنفى مع ما يعنيه ذلك من دلالات مهمة على أن الانتفاضة مهدت الأساس المتين لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

 وأكدت الانتفاضة أن م.ت.ف. هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب في كل أماكن تواجده بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948 وقد بدا واضحا من خلال الشعارات التي انطلقت منها الانتفاضة، كما أكدت في الوقت نفسه أن أي حل يجب وبالضرورة أن يمر عبر بوابة الشرعية الفلسطينية.

 وأعادت الانتفاضة الفلسطينية الأولوية الدولية وضرورة إيجاد حل لها، وأصبحت على رأس النزاعات الإقليمية في العالم وكذلك أضافت عناوين جديدة إلى الملفات الدولية وعلى رأسها أن مسألة حقوق الإنسان تعني بالضرورة حقه بكيان مستقل ووطن خال من قوات احتلالية تصوب النار باتجاه أطفاله.

 وعلى الصعيد الفلسطيني عبرت الانتفاضة عن فهم عميق لمتطلبات المرحلة النضالية الحالية، فامتنع آلاف العمال الفلسطينيين في المصانع الإسرائيلية من الذهاب إلى أعمالهم مما ترك أثره المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي المنهار أساسا كما أن الدعوى إلى العصيان المدني والإضراب الشامل ومقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية تعبر عن أساليب فلسطينية جديدة في مسار النضال الوطني لتحقيق الاستقلال وذلك من خلال مقاومة العدو بكافة الوسائل المتاحة لجعل احتلاله مكلفا من جميع النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى صعيد الرأي العام العالمي.


 وأكدت الانتفاضة وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بانضمام فلسطينيين الأراضي المحتلة عام 1948 إلى أشقائهم في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 جسد قوة وجذور الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية، وجسد الوعي الفلسطيني المتنام الذي عززته الاتصالات ما بين الفلسطينيين في كل المناطق الفلسطينية المحتلة.

أسلوب المقاومة الشعبية

الانتفاضة حالة يومية

 لقد طرحت الانتفاضة ومنذ لحظة تفجرها أنها قامت لتحقيق هدف جلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي من أراضي فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته، وفق اختياره الحر للنظام الذي يريده فيها، وأن استمراريتها مرهونة بتحقيق هذا الشرط أولاً وقبل كل شيء. ولما كانت العدوانية هي جوهر الوعي الذي يحكم اسرائيل ويسود فيها، فإن قوات الاحتلال الاسرائيلي ردت على هذا المطلب العادل بتصعيد سياسة القبضة الحديدية بممارسة المزيد من الارهاب والقمع والتقتيل والإبعاد والعقوبات الجماعية للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ظنناً منها بأنها ستتمكن من وأد الانتفاضة قبل أن تنمو ولكن الذي حدث هو العكس بفعل إرادة الصمود والاصرار الثوري الفلسطيني.

 تأهيل وإعداد كوادر المقاومة الشعبية

 لقد كان ميدان الكفاح هو المدرسة الرئيسية الأولى للإعداد النضالي للكادر، وهو نفسه المعلم للأشكال الواجب استخدامها في خوضة، وللأدوات التي يجب استعمالها في كل موقعه، وفي ظروف كتلك التي تعيشها الأراضي الفلسطينية اقتضى الأمر أن يتعلم الشباب فن المقاومة بممارسة المقاومة في مختلف الأشكال المطلوبة وأن تستخدم الجماهير من امتلاكاتها الذاتية كل ما تعتقد أنه بالإمكان استخدامه سلاحاً ضد العدو الاسرائيلي مهما كان مستوى بدائيته، وتعلمت هذه العناصر أن التعبير الأصيل عن حالة النهوض الكفاحي الجماهيري والمضمون الحقيقي لفلسفة المقاومة الشعبية، هو يجدي القدرة على توسيع المشاركة الفعالة في توزيع المنشور السياسي وكتابة الشعارات الوطنية على الجدران، والمظاهرات، والاعتصامات، والاضرابات، وإقامة الحواجز، ورمي الحجارة، وإحراق الاطارات، ورمي حبات البطاطا الممسمرة أمام السيارات العسكرية ورفع العلم الفلسطيني فوق أسطح المنازل وعلى أعمدة الكهرباء، وحمل صور الزعيم أبو عمار وإجادة الهتاف والنشيد، ورفع صور الشهداء.

 الدور الأساسي هو للشعب في المقاومة الشعبية

 حرصت قيادة م.ت.ف عندما كانت تعد للانتفاضة، بواسطة الأطر التنظيمية لحركة فتح وفصائل العمل الوطني الفلسطيني الأخرى في الأراضي المحتلة وبواسطة المؤسسات والهيئات والمنظمات الجماهيرية والنقابية، والمهنية والأكاديمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أن تضمن لكل مواطن فلسطيني حقه في المشاركة في الانتفاضة، ولذلك كانت هيكلية بنائها فضفاضة في تعددية الفعالية، تعطي حيزاً واسعاً لمبادرة الفرد أو المجموعة أو الهيئة، بدون أن تؤثر هذه الصفة على حديدية الانضباط في قبول المسؤولية وتحمل نتائج تنفيذها، وقد ساعد هذا التوجه على خلق بنى واطارات صحيحة أمكنها تعميم الانتفاضة بشكل سريع ومتواصل منذ لحظة تفجيرها الأمر الذي أضفى عليها بالإضافة الى صفة القوة، القدرة على الاستمرارية واكسبها ملامح الاتساع والشمولية.

 دور منظمة التحرير الفلسطينية في الانتفاضة

 واكبت م.ت.ف. باهتمام تطور وأحداث الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وشكلت قيادتها غرفة عمليات سياسية لمتابعة تفاصيل ويوميات الانتفاضة في كل مدينة وقرية ومخيم، للتحرك سياسياً وديبلوماسياً في كافة الاتجاهات وعلى مختلف الصعد لدعم هذه الانتفاضة وكشف أساليب الارهاب الرسمي الاسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين العزل أمام العالم كله. ومع بداية الانتفاضة أهاب الاخ / أبو عمار رئيس اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف.القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية بالجماهير الفلسطينية في الاراضي المحتلة بتصعيد انتفاضتهم ضد الغزاة المحتلين وجاء ذلك خلال النداء الذي وجهه يوم 10.12.87 من بغداد.

 وفي اليوم التالي 11.12.87 وجه الاخ / ابو عمار رسالة عاجلة الى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران خلال استقبال السفير الفرنسي في الكويت، تتعلق بالتطورات الخطيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة والمتمثلة في ممارسات القوات الاسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين في الوطن المحتل، وطالب الاخ / أبو عمار الرئيس ميتران بتحرك فرنسي دفاعاً عن حقوق الانسان الفلسطيني في مواجهة الوحشية الاسرائيلية، وفي مقر اقامته في الكويت، أطلع القائد الفلسطيني السفير البوليفي لدى دولة الكويت على التطورات والمستجدات الخطيرة والممارسات اللا انسانية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة.


وفي (13.12.87) عقدت اللجنة العليا لشئون الاراضي المحتلة في بغداد اجتماعاً برئاسة الاخ/ القائد أبو عمار، واتخذت اللجنة عدة قرارات هامة لدعم وتعزيز انتفاضة الشعب الفلسطيني في الداخل، ومنها الاعداد والتحضير لتنظيم اعتصامات في مكاتب م.ت.ف. في كل مكان والقيام بمظاهرات بالتعاون مع الهيئات الصديقة والمحلية وكذلك القيام باضرابات بالتعاون مع النقابات والهيئات المحلية. وفي تونس عقدت المنظمات الشعبية الفلسطينية اجتماعاً طارئاً في 14.12 لدراسة الوضع الخطير والمتفجر في الاراضي الفلسطينية المحتلة، من جراء قيام الحكم العسكري الاسرائيلي بانزال قوات عسكرية تقوم منذ خمس أيام بمهاجمة المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع مما أدى الى سقوط 54 شهيداً و152 جريحاً في ذلك الوقت القصير من عمر الانتفاضة، وقد وجهت برقيات عاجلة الى الامين العام للامم المتحدة دي كويلار والى مجلس الامن الدولي والى السوق الاوربية المشتركة والى الصليب الاحمر والى لجنة حقوق الانسان، شارحة من خلالها الوضع الخطير في الاراضي المحتلة، وكذلك ارسلت مذكرة الى الامين العام للحزب الشيوعي السوفياتي الرفيق غورباتشوف، وقادة الدول الاشتراكية تشرح العدوان الاسرائيلي ضد الجماهير الفلسطينية وتطالب بالتحرك الفوري لوقف الجريمة الاسرائيلية ضد شعبنا الصامد في وطنه.

 وفي الامم المتحدة تحدث المندوب المناوب لـ م.ت.ف. لدى الهيئة الدولية في رابع يوم لمناقشات مجلس الامن الدولي للاوضاع في المناطق الفلسطينية واصفاً الموقف الخطير في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعياً مجلس الامن الدولي الى اتخاذ قرار ينص على انسحاب القوات الاسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان وا، تحل محلها قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة كوسيلة لتجنب التفجير الشامل، وتجنب الناس أي كوارث أخرى. و في بروكسل وجه ممثل م.ت.ف. في بلجيكا ولدى السوق الاوروبية المشتركة نداء الى مسئولي البلدان الاعضاء في السوق طالبهم فيه بادانة صريحة للقمع الاسرائيلي الوحشي ضد الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة، كما وجه نداء مباشراً آخر الى المدراء السياسيين في وزارات خارجية دول السوق المجتمعين في كوبنهاغن لادانة جرائم العسكريين والمستوطنين الاسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني في وطنه.

 واستمرت م.ت.ف. بقيادة زعيمها ياسر عرفات بمواكبتها للانتفاضة وتوجيهها ودعمها سياسيا من خلال فضح الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، واعلاميا من خلال مؤسساتها الاعلامية التي كانت تقوم بتغطية دقيقة وشاملة لاحداث الانتفاضة مما ساهم في خلق رأي عام عالمي متعاطف مع الانتفاضة الجماهيرية الفلسطينية وماديه من خلال ارسال الاموال لتغطية فعاليات الانتفاضة اليومية وصرف معونات مادية وعينية لاسر الشهداء والجرحى والاسرى والاسر المستورة واقامة بعض المشاريع الاقتصادية التي تساهم في خلق فرص عمل للمواطنين الفلسطينيين لرفع مستواهم الاقتصادي ولتقوية صمودهم في وجه البطش الاسرائيلي.

 

أسلحة المقاومة في الانتفاضة

 استطاع الشعب الفلسطيني أن يبتكر الوسائل القتالية المناسبة لمواجهة جيش الاحتلال الذي بدوره لم يدخر جهداً في كشف هذه الوسائل وقمعها بالطرق الهمجية والإرهابية التي جوبهت بمقاومة فلسطينية وبوسائل قتالية جديدة.

 ولقد تجلت حنكة القيادة الفلسطينية ومنذ الأيام الأولى من عمر الانتفاضة بإعطاء تعليمات صارمة بعدم استخدام الأسلحة النارية في هذه المرحلة من الانتفاضة، وذلك بهدف تفويق الفرصة على العدو من اعتبار ذلك مبرراً له لاستخدام آليته العسكرية في تقتيل شعب الانتفاضة، وتركيز القيادة على أهمية استعمال وسائل وأساليب وأدوات الثورة الشعبية، وقد عمدت القيادة الوطنية الموحدة إلى ترشيد السكان لكيفية صنع قنابل المولوتوف والحواجز الممسمرة بواسطة البيانات مطبوعة كانت تقوم اللجان المختصة بتوزيعها جماهيريا، وبواسطة تنظيم حلقات تثقيفية واسعة حول أهمية استعمال السلاح البدائي ضد قوات الاحتلال في تلك المرحلة مستفيدة من تقييم العدو نفسه لأهمية الفعاليات التي تنفذها المقاومة الشعبية وطلائعها والقوات الضرابة بهذا السلاح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. فقد كان سلاح المقاومة الشعبية كل ما امتلكته الجماهير الفلسطينية من أدوات يمكن استخدامها في الصدام مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ومنها:

 الحجر:

لقد احتلت الانتفاضة مكانها في ثورات العالم الحديث باسم "ثورة الحجارة" ولا يعقل أن يتصدى الحجر بأيدي الفتيان سلاحا للجيش الإسرائيلي الذي يحاصرهم بدباباته ومدافعه ونيرانه، فما الحجر بسلاح قاتل ولا حامله بمقاتل مدرب، ولذلك فقد كان أكثر أسلحة الانتفاضة شهرة إلا أن أغراض استعماله المتعددة في الانتفاضة وبشكل يومي وعلى الأخص في المصادمات أثناء التظاهرات الصاخبة مع قوات الاحتلال، افقد الحجر ميزة أن يكون سلاحا من أسلحة المقاومة فحسب و إنما أداة فعالة ضد قوات الجيش الإسرائيلي وضد آلياته على رغم أنه كثيراً ما استعمل أيضا لقذف سيارات الجيش والمستوطنين الإسرائيليين، واستخدم أيضا لاقامة الحواجز وإغلاق الطرق وبناء السواتر والمتاريس والكمائن.

الالتحام الشعبي:

اعتمدت الانتفاضة سلاحا جديدا غير مرئي يتمثل في الالتحام الشعبي اللامثيل له برفض الاحتلال، بكل الوسائل الممكنة للتعبير عن الرفض والغضب وهي الوسائل والأدوات التي يمكن وصفها باللاعنفية في معظم الحالات والعنيفة في القليل منها، وقد كانت اصعب المعادلات في مسيرة الانتفاضة أن تحتفظ بوحدتها وان تحقق خطواتها التصعيدية في المجابهة، وفي العصيان المدني، دون التحول إلى انتفاضة مسلحة.

 السكين:

أكثر أسلحة المقاومة الشعبية استعمالا بسبب وجوده في كل بيت، وتأثير استخدامه مهم ليس على صعيد فاعلية ما يحدث عنه من قدرة القتل فحسب، وإنما ما يقوم به من تأثير سيكولوجي على نفسية الإسرائيلي الذي يرى أو يعرف أن العسكري الإسرائيلي قد قتل بسكين فيما هو يحمل بندقية آلية متطورة.

 الزجاجات الحارقة:

استخدام الزجاجات الفارغة بعد تجهيزها بمواد أولية متفجرة ومشتعلة أحد التقاليد الموروثة في الحرب الشعبية فلقد استعمل الشعب الفلسطيني الزجاجات الفارغة كأحد أسلحة المقاومة منذ وقت مبكر مما مكنه من تطوير كيفية استخدام هذا السلاح من زجاجة حارقة إلى زجاجة متفجرة، والى زجاجة حارقة ومتفجرة معاً.

 الحرائق:

مع بداية شهر حزيران/يونيو 1988، ابتدعت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة أسلوبا جديداً في مواجهة سياسة الإرهاب التي تمارسها إسرائيل ضد سكان فلسطين المحتلة وللرد على طريقة التدمير المتعمد التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للاقتصاد المحلي الفلسطيني بموجب هذه السياسة، والذي بلغ ذروته في أوائل ربيع 1988 حيث أتلفت حقول القمح واقتلعت أشجار الزيتون والحمضيات من مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، وللرد على هذه السياسة بادرت القيادة الموحدة للانتفاضة بأسلوب جديد في المقاومة الشعبية وهو القيام بفعاليات حرق المرافق والمنشآت الزراعية والصناعية الإسرائيلية بما في ذلك الغابات والمراعي.

 المصيدة:

طريقة قديمة كانت تستخدم في الغابة لصيد الحيوانات، وفي حقول الذرة لصيد الثعالب وأبناء آوى، ومع أن هذه الطريقة في الصيد لنفس الهدف  تعرفها معظم شعوب العالم إلا أن استخدامها كوسيلة عسكرية في حرب التحرير للآليات فهي ابتكار فلسطيني خلاق يعكس مدى قوة الإصرار الفلسطيني على المقاومة، عن طريق حفر حفرة واسعة قليلاً وعميقة كثيراً، في مساحة ما، من ثلث الشارع الذي يعتقد بأن الدوريات الإسرائيلية ستمر منه ثم تموه بشكل دقيق بعد تغطيتها بالقش وعيدان البوص (القصيب) وفي الثلثين المتبقين من الشارع تقام الحواجز بحيث يصبح المرور من الثلث الذي تتواجد فيه الحفرة المموهة، إجباريا وفي منطقة قريبة من المصيدة تكمن مجموعة من القوات الضاربة بانتظار مرور السيارة العسكرية الإسرائيلية من المصيدة والوقوع في الحفرة، حيث ينهالون عليها بالزجاجات الحارقة والحجارة والكرات الحديدية فتحترق السيارة ويصاب من بداخلها.

 سلاح العوائق:

وهو استخدام المسامير ضد حركة السيارات الإسرائيلية ليلاً وقد أعطي هذا السلاح نتائج أولية لا بأس بها سوء من خلال غرسه في الطرق مباشرة بعد نزع طبعاته، أو من خلال زرعه في حبات البطاطا ونشرها على الطرق أو دق المسامير الكبيرة في قطع خشبية وتوزيعها على مسافات متفاوتة من الطريق أو بواسطة وضعها في قطاع أنابيب الري البلاستكية السوداء، وقد قادت التجربة القوات الضاربة إلى إمكانية توظيف المسامير مع الإطارات المشتعلة وبقع الزيت للقيام بعملية مقاومة واحدة وفق ما اصطلح على تسميته بسلاح العوائق واستخدم هذا السلاح ضد السيارات العسكرية الإسرائيلية.

 وإلى جانب هذه الأسلحة المذكورة، استخدمت القوات الضاربة العصي والمعاول، والمناجل والفؤوس، وما في حوزة البعض من سيوف قديمة، ومناجل وشباري ونبابيت، كما استخدمت القضبان والسلاسل الحديدية، واستخدمت قطع بقايا الحديد والكرات الحديدية، بنفس طريقة استخدام الحجر، ومن الأسلحة الهامة في الانتفاضة المقلاع والمطيطة ونصال الرماح.

 بعد هذا كله، وبالرغم من هذا كله، نهض الشعب الفلسطيني وبادر من جديد، ومن فوق تراب وطنه المحتل، بانتفاضة ثورية جديدة، مستوعباً لكل دروس التجارب النضالية السابقة وغيرها، عربياً وفلسطينياً، ومدركاً لكل ما أفرزته تجارب الصراع ضد اسرائيل من وقائع وما كشفته من حقائق، مسلّحة بهذا الوعي، تمكنت الانتفاضة منذ بدايتها، بما حددته من أهداف واضحة وبما أبدعته من أساليب نضالية لتحقيق هذه الأهداف من تأكيد قدرتها على الاستمرار والنمو كحقيقة ثورية ميدانية، تستطيع فرض واقع جديد على مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام، وعلى مسار م.ت.ف بشكل خاص، فلا تهويل في أهدافها ولا وعود بما لا تملك القدرة على إنجازه، حتى لو كان ذلك حقاً، فلكل حق شروطه ومتطلباته حتى يتم استيفاؤه، ولا تحريف في أهدافها حول كل ما هو أساسي وثابت ومعترف بشرعيته من حقوق، كحق تقرير المصير، والعيش الحر في دولة مستقلة حرة كذلك كانت الانتفاضة واضحة في أساليبها النضالية، والتي استلهمتها من واقع شعبها وموقعه، ومما تسمح به إمكانيات هذا الشعب وطبيعة هذا الموقع، بعيداً عن تقليد أو محاكاة ثورات غيرها من الشعوب ومن دون مغالاة في الاعتماد على دعم خارجي يتحكم فيها، فالشعب كل الشعب هو أداة الانتفاضة، وتنظيماته طلائع له، وليست بديله عنه. والحجر هو سلاحها، وأمضى ما فيه يكمن فيما يرمز إليه من إصرار لا رجعة عنه في مقاومة الاحتلال، وتحت كل الظروف مهما كان الفارق في موازين القوى فالتاريخ يشهد أن التفوق في الارادة كفيل في النهاية بانتزاع النصر من التفوق في القوة لا شك أن هذا الوضوح في الأهداف والأساليب كان من أهم الأسباب التي عبأت الشعب حول الانتفاضة فدفعته ولا تزال الى تقديم أروع صور النضال، غير آبه بالتضحيات، كما جعلت من العام 1988، عام الانتفاضة فشغلت العالم وأثارت تعاطفه معه، وشدت العرب على طريق التضامن، وردت للقضية الفلسطينية مكانتها، وكرست م.ت.ف من جديد ومن موقع ميداني ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين، فلم يمض على اندلاع شرارتها أكثر من سبعة أشهر، عندما أعلن الأردن عن فك الروابط القانونية والادارية بين المملكة الأردنية والضفة الغربية المحتلة، وأوقف جميع مشروعات التنمية التي كان يعدها هناك، وحل جميع المؤسسات التابعة لها، ويعتبر هذا إنجازاً هاماً للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ومن أهم إنجازاتها السياسية وتحويل هذا الانجاز الى قوة دفع جديدة للنضال الفلسطيني ولهذه الانتفاضة بالذات.

  وبعد مضي أكثر من مئة يوم على الحوارات والتحركات والاتصالات تمكنت قيادة م.ت.ف من وضع تصورها السياسي المستقبلي، وحددت الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، موعداً لعقد دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني، لمناقشة هذا التصور وإقراره، وسميت هذه الدورة بدورة "الانتفاضة" وفي الساعة الصفر والدقيقة الأربعين بتوقيت القدس الشريف، من يوم الثلاثاء الواقع في السادس من ربيع الثاني 1409 للهجرة الموافق للخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، تم اتخاذ أهم قرار سياسي في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها ألا وهو إقرار" وثيقة الاستقلال " بالإجماع، كما أقر المجلس بأغلبية أصوات أعضائه البرنامج السياسي لإنجاز هذا الهدف وتمكين هذه الدولة من ممارسة سلطتها الفعلية على أرضها واستندت "وثيقة الاستقلال"على خيار قيام دولة فلسطين الى الحق الطبيعي التاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947.

 ولم يفت وثيقة الاستقلال عند إيرادها للسند القانوني أن تشير الى" الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقري المصير، إثر قرار الجمعية العامة ( للأمم المتحدة ) رقم 181 لعام 1947 الذي قسم فلسطين الى دولتين، عربية ويهودية، ثم أضافت أن هذا القرار "ما يزال يوفر شروطاً للشرعية الدولية، تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال "وقد دعمت الانتفاضة هذا التحول، بما عبرت عنه جماهيرها من تظاهرات التأييد وبما صدر عن قيادتها الوطنية الموحدة من نداءات رحبت بوثيقة الاستقلال واعتبرتها خطوة مهمة على طريق إنجاز الاستقلال الوطني، ولشهادة الانتفاضة وزنها ليس لكونها من أهم مراكز التأثير في صنع القرار الفلسطيني فحسب، بل لكونها كذلك، فكراً وتنظيماً، من نتاج ذلك المسلسل الطويل لعملية الصراع العربي الفلسطيني ضد اسرائيل وما نجم عنها من متغيرات فالانتفاضة علامة فارقة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وتاريخ م.ت.ف بالذات، فصلت بين ما قبلها وبعدها، بهذا التحول في المسيرة من حركة تحرير وطني الى حركة استقلال وطني.

 ولم تأت الانتفاضة الجماهيرية العارمة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة بشكل عفوي أو آني، ولم يكن حادث معبر بيت حانون "إيرز سابقاً " عند مدخل قطاع غزة والذي راح ضحيته أربعة شهداء، وسبعة جرحى آخرين، نتيجة صدمهم بسيارة عسكرية احتلالية حادثاً قدرياً لعبت الصدفة ملعبها في أحداثه، إنها حالة عداء تمتد الى أكثر من أربعين عاماً مضت وستمتد حتى تحقيق قيام الدولة المستقلة للشعب الفلسطيني الذي أنشئت على أرضه إسرائيل، لقد توجت الانتفاضة الفلسطينية أعواماً من النضال والكفاح لتختصر كل أنواع الإرهاب والقمع والبطش الاسرائيلي عبر رفض الشعب الفلسطيني للاحتلال ومناداته بأعلى صوته بسقوطه، وجاء عام 1988 كما قال عنه السيد الرئيس/ ياسر عرفات هو عام البشرى فإن هذه الانتفاضة الكبيرة بشهدائها وجرحاها ومعتقليها هم رسل هذه البشرى، وهي الخطوة الأولى على طريق إنهاء الاحتلال وطرده وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، التي هي الحل الوحيد للمأزق الإسرائيلي مثلما هي للمأزق الفلسطينيمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي ليست حديثة النشأة ولم تبدأ مع انطلاقة الشرارة الأولى للانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في الثامن من كانون الأول "ديسمبر" وهذه الحقيقة لا تضع الانتفاضة على قدم المساواة مع أعمال وأشكال المقاومة والرفض للاحتلال السابقة لها، وإنما لتأكيد أن تراكمات النضال القومي الفلسطيني على مدى عشرين عاماً من الاحتلال في ذلك الوقت أفضت في النهاية الى الانتفاضة المجيدة.

 

 

أبو جهاد شهيد الانتفاضة

 مع نهاية الشهر الأول للانتفاضة،انعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في بغداد بين 6،9 كانون الثاني/ يناير 1988 يستمع إلى أول تقرير رسمي عن الانتفاضة، من إعداد قائد بارز ومتخصص بشؤون فلسطين المحتلة، هو الشهيد خليل الوزير “ابو جهاد” تكمن قيمة هذا التقرير ظن فيما اكتسبه الأيام من مصداقية وفي ما شهدت به نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة، ومنها تلك التي صدرت ولا تزال بعد استشهاد واضعة، فجر 16 نيسان / إبريل 1988، إثر عملية كوما ندوس قامت بها وحدات إسرائيلية خاصة في تونس. مما قاله الشهيد في تقريره، إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد.

 وإنها جاءت تتويجاً لمجمل النضال الوطني، لم تكن مقطوعة أو منفصلة عن مجمل المسيرة النضالية، بل جاءت نتاجاً طبيعياً لهذه المسيرة التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، مسلحة ببرامجها وشعاراتها السياسية كما ركز القائد الشهيد في تقريره، على جملة ملافظات منها شمولية النضال لكافة جماهير الشعب ومختلف قطاعا ته وفئاته وتياراته وأجياله، وشموليتها لكل مدينة وقرية وحي ومخيم كما ركز على تطوير الخبرات النضالية، وارتقاء مستوى الأداء في القبضة الحديدية وأساليبها القمعية وحملات القتل الجماعية وفي هذا المجال أشاد يقوى الشعب وأطره ومؤسساته وخاصة اللجان الوطنية والشعبية التي أفرزت على مستوى القاعدة في كل مكان.

وحول أهداف الانتفاضة جاء في تقرير القائد الشهيد، أنه في الوقت الذي كان شعار“ الإنهاء الفوري للاحتلال، والالتفاف حول م.ت.ف. وأهدافها هو عنوان الانتفاضة فإن هذه الانتفاضة كانت تتعامل باقتدار في طرح مطالب للتنفيذ الفوري، مثل إلغاء قانون الطوارئ الصادر في عهد الانتداب البريطاني ومنه الإبعاد والاعتقال الإداري من غير محاكمة ونسف البيوت والمطالبة بالإفراج عن معتقيها وإلغاء الضرائب الإضافية …..الخ.وكل ذلك لمنح الانتفاضة قوة دفع جديدة.

 كما لاحظ التقرير، نجاح التجربة الجديدة للجان الشعبية والوطنية في إدارة أمور الحياة اليومية، من خلال تنظيم حملات الاستغاثة وتوفير المواد التموينية للمناطق المحاصرة، ورعاية أسر الشهداء والمعتقلين، فضلاً عن التعامل الذكي مع وسائل الإعلام الغربية لإيصال صورة الانتفاضة إلى العالم كله. إن من عاش بعد رحيل أبو جهاد يستطيع الشهادة بأخذ ذلك التقرير كان قراءة كافات من فكر الانتفاضة وتنظيمها بقدر ما كان قراءة كما هو آت وهو يؤكد موقعه فيها ومكانتها في فكره وقلبه وهو من قال: لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، وإن الانتفاضة لم تكن هبة عاطفية عارضة ولكنها فتح جديد وواقع يحمل أفاق مستقبل جديد وإن الانتفاضة أكدت تلاحم فلسطيني الداخل والخارج؟.

 لم تكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في اندلاع الانتفاضة وتوجيهها وقد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الانتفاضة. وقد كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأراضي المحتلة عن طريق جنيف، ليضلل عملية التصنت الإسرائيلي وقد اعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الانتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في المنفى.

 في الواقع أن القرار الإسرائيلي باغتيال أبو جهاد كان قد اتخذ منذ زمن أبعد بكثير فهو ليس من مؤسسي حركة فتح الأوائل في بداية الستينات وحسب بل ومن رواد المقاومة في غزة سنة 1956 فهو هدف إسرائيل دائم وقد تسائل الكاتب الإسرائيلي رون بن شاي كيف يخطئ رجل مثل ابو جهاد بالسكن قرب شاطئ البحر إلا إذا كان يعتقد أن الوضع السياسي الدولي لن يشجع للإقدام على المساس بأحد زعماء منظمة التحرير ومواجهة الانتقادات الدولية.

 وتضافرت الجهود على أعلى المستويات في القوات المسلحة الإسرائيلية وعن اشتراك أربع قطع بحرية منها سفينة حراسة “كورفيت corvette” تحمل طائرتي هليوكبتر لاستعمالها إذا اقتضت الحاجة للنجدة، كما تحمل إحداهما مستشفى عائماً وقد رست القطع على مقربة من المياه الاقليمية التونسية تواكبها طائرة قيادة وطائرة أخرى للتجسس والتعقب. وقد أشرف عدد من كبار العسكريين بينهم اللواء أيهود باراك واللواء أمنون شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية على تنفيذ العملية من الجو والبحر.

 وصلت فرق الكوماندوس بالزوارق المطاطية إلى شاطئ تونس وانتقلت وفق ترتيبات معده سابقاً إلى ضاحية سيدي بوسعيد، حيث يقيم أبو جهاد في دائرة متوسطة هادئة وهناك انتظرت عودته في منتصف الليل، وقد انقسمت إلى مجموعات اختبأ بعضها بين الأشجار للحماية والمراقبة وبعد ساعة من وصول أبو جهاد تقدم الاسرائيليون في مجموعات صغيرة نحو المنزل ومحيطه فتم تفجير أبوان المدخل في مقدمة المنزل دون ضجة لاستعمالهم مواد متفجرة حديثة غير معروفة من قبل، وفي ثوان صعدت إحدى المجموعات إلى غرفة القائد وأطلقت علبة سبعين رصاص بكواتم الصوت أصابته منها أربعون احتاط الاسرائيليون في إقدامهم على اغتيال القائد الفلسطيني لكل الاحتمالات ومنعاً لوصول اية غبرة قطعوا الاتصالات التليفونية بتشويش عبر أجهزة الرادار من الجو في منطقة سيدي بوسعيد خلال العملية وعادت المجموعات إلى الشاطئ حيث تركت السيارات التي استعملتها وركبت الزوارق إلى السفن المتأهية في عرض البحر ثم عادت إلى اسرائيل في أربعة أيام وفي حراسة الطائرات الحربية اعتبرت اسرائيل اغتيال القائد أبو جهاد نصراً كبيراً وتشير تفاصيل العملية إلى أن الاسرائيليين قد أعدوا لها بدقة بالغة ولكنهم أخطأوا في التصويب نحو مرمى الهدف الرئيسي وهو اغتيال الانتفاضة فقد مات أبو جهاد وعاشت الانتفاضة مات القائد وعاش الرمز في كل بيت وفي كل قلب ما إن انتشر الخبر المضجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها في 16 نيسان/ إبريل اعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة. ابتدأت التظاهرات بمسيرات صامتة حداداً وخشوعاً فبادر الجيش الاسرائيلي إلى تفريقها بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالنار والرصاص المطاطي وانطلقت غزة مدينة أبو جهاد بعد الرملة، تتحدى منع التجول المفروض عليها وشارك حتى الأطفال في التظاهرات وانتهى اليوم الغاضب الاول في وداع الأرض المحتلة لابنها البار باستشهاد سبعة عشر مواطناً بينهم ثلاث نساء، كما أصيب بجراح بالغة أما المعتقلون فكانوا بالمئات لن تتوقف الخيارات الرمزية في أسبوع أبو جهاد ولم تنزل الاعلام الفلسطينية والاعلام السوداء عن المنازل والأبنية والمساجد والكنائس وقد طالبت الهيئة الاسلامية العليا بدفن جثمان القائد الشهيد في رحاب المسجد الأقصى، هذا وفرضت سلطات الاحتلال منع التجول على جميع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأعلن أن مناطق عديدة باتت مناطق عسكرية مغلقة بوجه الصحافة وأقامت معتقلاً جديداً بالقرب من القدس أطلق عليه اسم أنصار الصغير وذكرت بأنها ستفتح سجناً آخر لاستيعاب المعتقلين.

 وعى الرغم من الاجراءات القمعية ومن الحصار العسكري والاقتصادي الخانق على المخيمات انطلقت التظاهرات في ذكرى الاسبوع في 22 نيسان / إبريل إثر صلاة الغائب في كل مكان تتحدى قرار منع التجول. دفن القائد الشهيد في الرابع من رمضان 1408للهجرة، الموافق للعشرين من نيسان/ إبريل 1988 في دمشق فكان يوماً عربياً مشهوداً، رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزاً خالداً من رموزها، وجاء في وصف الوداع في جريدة السفير اللبنانية.

 “قلب العروبة النابض ضخ إلى الشوارع نصف مليون إنسان وأكثر فملىء هديرهم جنبات المدينة العريقة بالعافية، في دمشق فقط كان يمكن أن يجري أمس الذي جرى معيداً إلى الحياة صورة كادت تصبح من الماضي.. صورة الحشد المندفع بعواطفه وطموحاته وحماسته وارادتها الصلبة في المجابهة ورد التحدي.. في دمشق اتخذ الرد على اغتيال أبو جهاد وبعده الكامل ها هو الشعب كله في الساحة، هاهي الأمة كلها تنخرط في الانتفاضة لتحمي فلسطينها، كانوا أكثر من نصف مليون، انتشروا من مستشفى المؤاساة حتى اليرموك، وتجمعوا هناك وتحولوا إلى بحر بشري غطى المخيم ومحيطه وشكلوا أكبر تظاهرة تأييد للانتفاضة وهي في مستوى اخر تذكر إلى حد بسميرة التشييع التي جرت في القاهرة لوداع الرئيس جمال عبد الناصر. وكما كان الشهيد الراحل أبو جهاد معطاء في حياته هكذا كان في حماسته وكادت روحه أن ترتاح لأمنية طالما سعى إليها وهي استكمال الوحدة الوطنية وتطبيع علاقات الاخوة مع سوريا فتمت لقاءات بين مسئولين من فتح ومسئولين سوريين كما التقى الرئيس عرفات مع الرئيس السوري حافظ الأسد في 25 نيسان/إبريل 1988 وتعلقت الأمال بطي صفحة الخلافات ولكن اتضح أن تلك أمنية لا تزال تنتظر فرصة اخرى.

دور المرأة في الانتفاضة

 حكمت علاقة الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني صيغة النضج والتفاعل، إلا أن أوجه العلاقة التقليدية بينهما لم تتلاشى وهذه على صلة بالخلفية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، والملفت في الانتفاضة هو أن الدور الملموس والفاعل والمتكامل والمتمازج الذي أسقط الحاسية التقليدية لدور المرأة وضوابطه في الانتفاضة أدى أيضاَ لذوبان الفوارق الشكلية بين المرأة والرجل في الفعل الجماهيري حتى أن تقييما نضالياً جديداً للعمل برز من خلال الانتفاضة بين الرجل والمراة، أعطى المرأة دوراً بارزاً ومتقدماً لا يستطيعه الرجل "مثلاً إعتقال الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن وقيام النساء بتخليصهم من أيدي الجنود".

 ولم يكن الدور البطولي الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الباسلة بداية بمسيرتها في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة بل كانت منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والإنسان.

 فقد ابدعت في الإخلاص لفلسطين الأرض، حينما رشت حبات عرقها التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال حيث لم تدع الأرض تبور أو تجف ترابها كما أنها أبدعت في عطائها لفلسطين الانسان عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم صيغتها وحليها مقابل الحصول على البندقية وذهبت في نضالها في نفس الأحيان إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم مما أحل بقضية فلسطين واتساع حلقة التآمر على شعب فلسطين على صعيد التهويد فإن ذلك زادها إصراراً على مواصلة نضالها حيث أنها بعد عام 67 انخرطت وبشكل فعلي في العمل المسلح وشاركت في المجموعات الفدائية البطولية وساعدت في نقل الأسلحة وتخزينها ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد مواقع عدوها الصهيوني.

 واستمرت المرأة الفلسطينية بعزيمتها القوية تتابع مسيرتها النضالية عبر جميع اشكال العمل الوطني وهي تدق أبواب الحرية والاستقلال ومارست دورها في كل المواقع، ناضلت كأم تربي أطفالها على التحدي والنضال واخترقت بقوة ارادتها معظم الأطر الطلابية والنسائية لتمثل فلسطين في اتحاد المرأة الفلسطينية على صعيد الخارج وتتعدى النشاط السياسي والعمل الجماهيري الوطني داخل فلسطين المحتلة من خلال مشاركتها في اتحادات مجالس طلبة الجامعات واستطاعت المناضلات الفلسطينيات تكوين وخلق الأطر النسائية في جميع المواقع حتى اصبح دور هذه الأطر يضطر حيزاً كبيراً من احتياجات جماهير الشعب الفلسطيني في المخيم والقرية والمدينة وبرز اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي وشارك عبر تفاعله وعطائه اليومي في إيجاد البنية التحتية للانتفاضة الباسلة حيث وفر الظروف والاحتياجات الضرورية لانجاح التعليم الشعبي بعد أن لجأ الاحتلال لاستخدام سلاح التجهيل للضغط على الانتفاضة كما عمل اتحاد المرأة على المشاركة في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، فضلاً عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في العديد من المدن والقرى والمخيمات لتوفير التربية والتعليم المناسب للجيل الفلسطيني القادم وتعبئته وطنياً ومساعدته على حمل التراث والحفاظ عليه عبر الأناشيد والصور واللباس.

 وكما كان لدور المرأة والفتاة الفلسطينية بروزاً مميزاً في انتفاضة الاستقلال والنصر أيضاً كان لدورها في الثورة الفلسطينية السابقة أثراً كبيراً حينما قامت بقيادة المظاهرات ورفع الاعلام الفلسطينية في انتفاضة عام 74 حيث بلغ الحقد الصهيوني على الفتاة الفلسطينية درجة الوحشية حينما داست الدبابات الاسرائيلية في مدينة جنين جسد المناضلة فتحية عوض الحوراني التي تصدت للدبابة بجسدها الطاهر وأضافت ببذلها وعطائها صفحات جديدة لنضال الشعب الفلسطيني وكذلك في انتفاضة عام 67-77 التي استمرت ثلاثة أسابيع، برز الحقد الصهيوني مرة أخرى حينما لجأ أحد ضباط الاحتلال الى إطلاق الرصاص عن قرب على المناضلة الشهيدة لينا النابلسي في مدينة نابلس لأنها كانت تقود مظاهرة كبيرة واستطاعت النجاح في الافلات من قبضة الاحتلال ولكن جيش الاحتلال تابعها وبعد مطاردة طويلة استطاع أن يساعدها في نيل الشهادة لتعطي نضال المرأة الفلسطينية دفعة قوية ولتثبت للعالم أن جميلة بوحريد لم تمت وأن كل الفلسطينيات هم أمثال المناضلة جميلة ونتيجة لجميع النضالات والعطاء المميز للمرأة الفلسطينية جاءت الانتفاضة البطلة، وثورة الجماهير الشاملة لتتوج نضالات الشعب الفلسطيني ولتضع المرأة الفلسطينية بصورتها البطولية أمام جميع عدسات التلفزيون ولتظهر في كل بيت في العالم على حقيقتها البطولية وليشهد العالم بدورها الانساني أيضاً.

 ومع ان الحقيقة لم تظهر كاملة لأن الاحتلال فرض حصاره الاعلامي على دورها محاولاً دفن الحقائق إلا أن الدور العظيم للمراة الفلسطينية كان أحد العوامل الفاعلة والأساسية لاستمرار الانتفاضة …فالمرأة استطاعت أن تفشل سياسة الاحتلال الاسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الأهالي المحاصرين ومساعدتهم على الاستمرار في النضال اليومي، كما عملت المرأة الفلسطينية على توفير كميات كبيرة من الخبز عندما كانت وعلى مدار العشرين ساعة جالسة خلف الغرف وهي تخبز وحينما لجأ الاحتلال الى قطع الكهرباء ومنع الغاز لجأت المرأة الفلسطينية إلى استخدام الطابون الفرن الطبيعي وقهرت الاحتلال ووفرت الخبز والحليب لأبناء الشعب الفلسطيني.

 كما عملت المرأة الفلسطينية على تحرير العديد من شباب وأبطال الانتفاضة وأفراد المجموعات الضاربة من أيدي جنود الاحتلال حينما كان يلقي القبض عليه وكذلك إنقاذ أعداد كبيرة من الاعتقال وتهريبهم وتوفير كمائن لهم داخل البيوت أو الحقول " سيدة تخبئ شاباً من الجنود مع ابنتها الصبية في نفس الغرفة وتدعي أمام الجنود أنه ابنها وهو ليس ليبحثون عنه " وكانت تحمل للمطاردين في الجبال والحقول احتياجاتهم من الملابس والغذاء اليومي مما ساعدهم على الاستمرار في مطاردة الاحتلال والاختفاء لحمايتهم من الاعتقال ولم يختصر دور المرأة على هذه الجوانب النضالية بل ساهمت بانجاح برامج نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة حينما طلب مثلاً رفع الاعلام الفلسطينية في معظم أيام الانتفاضة لجأت المرأة إلى توفير القماش بألوانه الأربعة وقفت ساعات طويلة وهي تخيط راية العزة والنصر، علم فلسطين وزودت المناضلين بكميات كبيرة وبأحجام مختلفة من الاعلام الفلسطينية لترفرف في كل موقع معلنة أن فلسطين حرة عربية .

 وها هي المرأة الفلسطينية في الانتفاضة تخرج للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال وتقول للعالم أن الجنين الفلسطيني يسابق جميع الأحياء إلى الشهادة من أجل أن تحيا فلسطين ومن أجل دولة فلسطين المستقلة التي ولدت جنين البطولة والنداء من الصمود والايمان بعدالة قضية فلسطين وحتمية انتصارها. ولم يقتصر دور المرأة على ذلك فقط بل مارست دوراً فاعلاً وهاماً في تحريك وتنظيم الامكانيات النسائية من خلال توعية المرأة الفلسطينية لدورها في الانتفاضة فأصدرت البيانات الخاصة بالمرأة الفلسطينية بما ينسجم مع برامج بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة مما دعم هذه البرامج وزادها قوة وشمولية ومن هذه البيانات والنداءات على سبيل المثال لا الحصر.

 هذا وقد كان لهذه النداءات الأثر البالغ على المرأة الفلسطينية التي التزمت بكل ما جاء فيها بقوة وإصرار على دحر الاحتلال وهنا نورد رصداً لبعض الفعاليات النضالية التي قامت بها الطالبات الفلسطينيات لتوضيح مدى مشاركتهم في الانتفاضة المجيدة علماً أن هذا الرصد يغطى فقط نهاية سنة 1987حتى منتصف عام 1988 وهو مأخوذ من كتاب المرأة الفلسطينية درس في الانتفاضة ونورده هنا بهدف طرح بعض الأمثلة لا لحصرها.

 ونتيجة للدور الهام والجرئ للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة أدركت الادارة الاسرائيلية ذلك إذ قالت " ان الحرب هي الحرب وإن للنساء الفلسطينيات دوراً فعالاً في الانتفاضة لذلك لا بد من اعتقالهن وتعذيبهن إذ لزم الأمر لنزع الاعتراف منهن " جاء ذلك في مجلة الوطن العربي عدد 85 –611-28/ 10/1988 نقلاً عن تقرير جرى تسريبه بواسطة جمعية نسائية تشكلت لنصره المعتقلات السياسيات الفلسطينيات يفوق الرقم 150 إمرأة الذي تعترف به الادارة الاسرائيلية رسمياً في ذلك الوقت.

 

ولم يكن الاعتقال أو الضرب أو الجرح أو الشهادة فقط ما تواجهه المراة الفلسطينية خلال مشاركتها في فعاليات ونشاطات الانتفاضة بل واجهت حرباً ديمغرافية مبرمجة هدفها الحد من التكاثر الفلسطيني وليس أدل على ذلك من إجابة "غولدا مائير" عندما سئلت عن السبب الذي يمنع عنها النوم أنه "ولادة طفل عربي"، إن الهاجس الديمغرافي يشكل قلقاً دائماً على الذهنية الصهيونية وخصوصاً الأحزاب اليمينة المتطرفة.

 فقد أدى تزايد أعداد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة إلى بروز أحزاب وقحة ليس لبرنامجها السياسي أية قيمة..إذا شطبت منه كلمة الترانسفير وهكذا أصبح من العادي جداً أن تجد مخلوقات بنت على العنصرية الحاقدة مكاناً لها في الكنيست في ذلك الوقت أمثال رحفعام زئيفي، مئيرر كهانا، وايتان، وهورفيتس ونئمان وغئيولا كوهين، ويظهر هؤلاء كإنسانيين وأخلاقيين بقولهم " لا نريد قتل الفلسطينيين ولكننا سنجهزلهم شاحنات ترمي بهم على الحدود العربية".

ولا استغراب بعد هذا أن تغتنم قوات الاحتلال وضع الانتفاضة لتسلط جام غضبها ليس فقط على الأحياء بل على من لم يروا النور بعد.. فإذا أخذنا احصائية حتى يوم 9/10/1988 للشهداء فنجدها 470 شهيداً ولكن من المنطق أن يضاف إلى هؤلاء شهداء مجهولين قضوا على يد حقد الجيش الاسرائيلي جراء حالات الأجهاض التي بلغت حتى 9/10/1988 "1700" حالة جراء استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح. إذ كان يتعمد الجيش الإسرائيلي إلقاء قنابل الغاز السامة على المخيمات المكثفة بالسكان والتي يمتاز الكيلومتر المربع منها بكثافة سكانية تعادل أضعافها في المدن مما يجعل أثرها أوسع وأشمل وعليه تكون أغلب حالات الإجهاض خلال الانتفاضة قادمة من المخيمات.

 إن تصريحات قادة اسرائيل وأدبياتهم في ذلك الوقت التي تعبر عن قلقهم من تزايد السكان الفلسطينيين وقيام بعض اجهزة اسرائيل الامنية بتسميم خزانات المياه في مدارس البنات بمواد كيماوية تسبب العقم قبل عدة سنوات من الانتفاضة، وإثبات التقارير الطبية للعلاقة بين الغاز والاجهاض، كل هذا ليؤكد بأن هناك تعمداً مشفوعاً بأوامر عسكرية بخصوص القاء قنابل الغاز على التجمعات الكثيفة في المخيمات وإن نسبه الاجهاض العالية جداً ليست نتيجة للصدفة او للظروف التي تتبعها الأوضاع القائمة في الارض المحتلة. صحيح ان نسبة الولادة تزايدت خلال الانتفاضة بمعدل 100 حالة زيادة على الرقم العادي ولكن هذا لا يلغي الرقم المرعب لحالات الاجهاض.

 

فك الارتباط الأردني مع الضفة الغربية

في مطلع شهر تموز 1988، قررت الحكومة الأردنية بناء على توجيهات الملك حسين، اتخاذ سلسلة من الاجراءات التي جرت تسميتها (فك العلاقات "الارتباط القانوني والاداري والمالي " مع الضفة الغربية وتضمنت إلغاء خطة التنمية الأردنية للضفة الغربية واستبدال وزارة شؤون الأرض المحتلة بدائرة سياسية في وزارة الخارجية الأردنية وإنهاء خدمات حوالي 21 ألف موظف في الضفة الغربية، مع استثناء مؤقت لمؤسسات الأوقاف الاسلامية والمحاكم الشرعية وإخراج بعض الأعضاء الفلسطينيين في مجلس الأعيان الأردني وأخيراً سحب الجنسية الأردنية من مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة واعتبار وثائق جواز السفر التي بحوزتهم وثائق للتعريف على هويتهم الشخصية والتوقف عن منح الجوازات وتجديدها والبدء في عملية استبدالها بأوراق خاصة.

 الأسباب الأردنية لفك الارتباط

إن تفاعل الساحة الأردنية مع الانتفاضة الوطنية ليس أمراً جديداً أو طارئاً أو مؤقتاً فالآراء العامة في فلسطين وشرقي الأردن على وتيرة واحدة لقد جاءت الانتفاضة الفلسطينية لتعيد إنشاء المدارس السياسية في شرقي الأردن كما كانت في الثلاثينات وعادت ثلاث مدارس سياسية أردنية لتجدد فكرها ودورها وصوتها وأخذت في الضغط باتجاه ترسيخ مدرسة الوحدة العربية التي عملت وتعمل من أجل المساواة والديمقراطية والحرية كأس لصياغة العلاقات الوحدوية.

الانتفاضة حقائق ومعطيات

 - تشير معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى إلى:

 استشهاد 1550 فلسطينياً خلال الانتفاضة.

 اعتقال 100000 فلسطيني خلال الانتفاضة.

 - تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى: أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من اعاقات دائمة، 65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في احد الاطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.

 - كشفت احصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي أن 40 فلسطينياً سقطوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الاسرائيلية بعد ان استخدم المحققون معهم اساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.

 - صدر عن مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي المحتلة (بيتسيلم) تقرير بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة جاء فيه ما يلي:

 أولا: استشهاد 1346 فلسطينياً من بينهم 276 طفلاً، على أيدي قوات الأمن الاسرائيلية و162 شهيداً على أيدي ما يسمى بالوحدات الخاصة.

 ثانيا: استشهاد 133 فلسطينياً على أيدي المدنيين (المستوطنين) الاسرائيليين.

 ثالثا: قتل 256 مدنياً اسرائيلياً، على أيدي الفلسطينيين.

 رابعا: قتل 127 رجل أمن اسرائيلياً على أيدي الفلسطينيين.

 خامسا: ترحيل 481 فلسطينياً من الاراضي المحتلة.

 سادسا: تعذيب عشرات الألوف من الفلسطينيين خلال استجوابهم.

 سابعا: اصدار 18000 أمر اعتقال اداري ضد فلسطينيين.

 ثامنا: هدم 447 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) هدماً كاملاً كعقوبة.

 تاسعا: إغلاق 294 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) اغلاقاً تاماً كعقاب.

 عاشرا: هدم 81 منزلاً فلسطينياً (على الاقل) هدماً كاملاً خلال قيام  جنوب الاحتلال الاسرائيلي بعمليات البحث عن المطلوبين.

احد عشر: هدم 1800 منزل فلسطيني (على الاقل) بحجة قيام اصحابها بالبناء بدون ترخيص.

اثنتا عشر: بلغ عدد المتواطئين الذين قتلوا على ايدي فلسطينيين حتى نهاية نوفمبر/ تشرين ثاني 1997 حوالي 1068 شخصاً. 

ثلاثة عشر: ارغام عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتزوجين من غير المقيمين في المناطق المحتلة العيش بعيداً عن بعضهم البعض. 

أربعة عشر: ترحيل مئات الزوجات والازواج والاطفال المقيمين في المناطق المحتلة بحجة انتهاء فترة زيارتهم ولا يملكون بطاقة اقامة.

خمسة عشر: تقييد زيارة الاقارب للمناطق الفلسطينية.

المصدر: مركز المعلومات الوطني الفلسطيني - وفا