التاريخ : السبت 27-04-2024

الهلال الأحمر: لا توجد بيئة صالحة للحياة في قطاع غزة ونحذّر من انتشار كبير للأمراض المعدية    |     مقررة أممية: يجب معاقبة إسرائيل ومنع تصدير السلاح إليها    |     الأردن يدين اقتحام المستعمرين "للأقصى"    |     فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    |     رئيس بوليفيا يطالب باتخاذ إجراءات صارمة لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة    |     "آكشن إيد" الدولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء والفتيات بعد 200 يوم من الأزمة الانسانية بسبب العدوان    |     مع دخول العدوان يومه الـ202: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    |     "فتح" تهنئ الجبهة الديمقراطية بنجاح مؤتمرها الثامن وبانتخاب فهد سليمان أمينا عاما    |     رئيس الوزراء ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار يستكملان إجراءات الاستلام والتسليم    |     "التعاون الإسلامي" ترحب باعتراف جمهورية جامايكا بدولة فلسطين    |     مصطفى يؤكد ضرورة عقد مؤتمر للمانحين لدعم الحكومة الفلسطينية    |     أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية أي اقتحام لرفح وتداعياته الخطيرة    |     الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع يضمن امتثال إسرائيل لوقف إطلاق النار في    |     البرلمان العربي: قرار جامايكا الاعتراف بدولة فلسطين "خطوة في الإتجاه الصحيح"    |     ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34262 والاصابات إلى 77229 منذ بدء العدوان    |     الرئاسة ترحب بالتقرير الأممي الذي أكد إسرائيل لم تقدم أية أدلة تدعم مزاعمها حول "أونروا"    |     ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع "الأونروا" في غزة    |     جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بقطاع غزة    |     برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    |     مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    |     جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    |     مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى    |     الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    |     أبو الغيط يرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول "الأونروا"
أراء » وسام القدس للثقافة
وسام القدس للثقافة

وسام القدس للثقافة

الحياة الجديدة/ احمد دحبور

رحم الله أبا منيف، عبد الله الحوراني، فقد كان هو صاحب فكرة استحداث وسام القدس للثقافة والفنون والآداب، وقد ألحق الفكرة بالتنفيذ، فاتصل بالمرحوم الكاتب الكبير سعد الدين وهبة الذي نقل الفكرة من مشروع افتراضي إلى حقيقة واقعة، وهكذا شهدت القاهرة مهرجانا فلسطينيا فريدا برعاية الرئيس ياسر عرفات وحضوره، ودعي إليه عشرات المبدعين الفلسطينيين لتكريمهم إلى جانب تكريم كوكبة واسعة من الراحلين الكبار، مبدعين ومؤرخين وجغرافيين وشخصيات عامة، وكان الشاعر الكبير ادونيس ورفيقة عمره خالدة، بين المدعوين إلى ذلك الملتقى الثقافي التاريخي وكذلك الراحلان الخالدان اميل حبيبي وتوفيق زياد وقد جاءا من فلسطين إلى القاهرة خصيصا لتلك المناسبة. إلا أن المفاجأة التي كانت تتربص بي، هي تكليفي من قبل المرحوم عبد الله الحوراني الذي كان رئيس دائرة الثقافة الفلسطينية يومها، بدور عريف الحفل الذي عليه ان يقوم بتقديم المبدعين المكرمين او من يمثلهم الى المنصة، ليتسلم كل منهم وسام القدس للثقافة والفنون والآداب، وهو وسام في غاية الاناقة والجمال، من تصميم زميلنا المبدع جمال الافغاني، والى جانب الوسام، كان ثمة براءة انيقة تحمل اسم المكرّم مرفقا بتوقيع الأخ ابي عمار بوصفه رئيس دولة فلسطين، وتوقيع شاعرنا الكبير محمود درويش بوصفه رئيس المجلس الأعلى للثقافة، وبطبيعة الحال كان لا بد من توقيع الأخ عبد الله الحوراني بوصفه رئيس الدائرة الثقافية وصاحب فكرة الوسام.
وعلى غير استعداد او تحضير مني، فاجأني ابو منيف رحمه الله بالقول: هذا يومك فاصعد إلى المنبر لتقديم المكرمين، وهكذا وتحت الامر الواقع، صعدت ويدي على قلبي، وكلما كنت اذكر اسم واحد من هؤلاء المبدعين، كنت اشكر الله في قلبي واتهيأ للاسم اللاحق، حتى بلغ عدد الذين نالوا الوسام يومها خمسة وتسعين من رموز الثقافة الفلسطينية العربية.
وبسبب من نجاح التجربة، فقد اعدناها بعد ذلك في العاصمة الاردنية، ثم تم بعد ذلك تقديم الوسام بصورة فردية لمن لم نحط باسمه في القاهرة وعمان.. واعتقد بأن فكرة الوسام لا تزال صالحة للمواسم الآتية فهل من يسعى إلى إحيائها؟
قوة الرمز
إن جسم الوسام بحد ذاته، مكون من قطعة معدنية ذهبية اللون تنبثق عنها نسختان من العلم الفلسطيني ولم يكن يخطر ببالي أن تلك القطعة المتواضعة، ستتحول إلى رمز ذي دلالة عميقة، حتى أن بعض المثقفين الفلسطينيين الوازنين، لم يتحرجوا في ان يطلبوا بأنفسهم نسخا من ذلك الوسام.
ولأن الذكرى تجر الذكرى، فلا بأس في أن نستحضر صورة مبدعنا الكبير الخالد اميل حبيبي، عندما دخل تل ابيب والوسام البراق مركوز في صدره، حتى اذا سأله العسكري الصهيوني عما ترمز اليه تلك القطعة الذهبية اجابه بنوع من الزهو السعيد: هذا شرفي وتاجي وحصيلة جهادي الثقافي، وقيل لي ايضا ان المرحومة الشاعرة الكبير فدوى طوقان قد دخلت الى البلاد والوسام على صدرها، وظلت تحتفظ به حتى تغمدها الله في رحمته..
وغني عن القول إن أعلام فلسطين، من عيار فدوى واميل لم يكونوا جامعي قطع معدنية براقة، بل كانوا يقدرون المعنى الرمزي للشعار الذي كان يزين صدورهم، بل ان استاذنا الكبير جبرا ابراهيم جبرا، اعلن حين تمنينا عليه ان يلقي كلمة حاملي الوسام، بأن هذا الوسام الذي يحلي صدورنا، كان قد حلّى ارواحنا منذ ان منحنا اياه قائد الشعب ورئيسه ياسر عرفات.
بعد كلمة جبرا، أتتنا شخصيات فلسطينية مرموقة، وطلبت أن تحظى بالوسام الذي أصبح علامة ثقافية وطنية، ما حملنا على استدراك ما فاتنا ومنح الوسام لمبدعين ممن لم نتمكن من تعليقه على صدورهم في الجولتين الاولى والثانية.
والطريف أن الاخ أبا عمار، قد ادرك المغزى العميق للوسام حتى أنه فاجأنا بنوع من اللوم الحاد، على عدم تقديمنا وسام القدس للثقافة والفنون والآداب، لبعض معلمينا الكبار، ولم يكن في ذلك أي استثناء، لكن الزحام والانفعال والجلبة تجمعن كلها فتسببت ببعض السهو غير المقصود، والحمد لله أنه تم استدراك التقصير غير المتعمد حتى أنني حملت نفسي من غزة الى الناصرة لاشرف بتقديم الوسام لشاعرنا واستاذنا ابي الامين، حنا ابي حنا.
ولنذكر معا ان الاعلان عن هذا الوسام، قد تم عام 1990 ولا يزال الفلسطينيون يعلنون عنه لكل مناسبة.
الوسام والمؤسسة
قد يأخذ علينا بعض الشهود من الاصدقاء، عدم استمرارنا في هذا التقليد الجميل، مع أننا كشعب مهضوم الحقوق، معنيون بالاشارات الرمزية التي من شأنها، على بساطتها، ان تنشئ فرحا وطنيا ونوعا من الالفة المشوبة بنشوة الوفاء، واذا كان للاصدقاء العاتبين حق في لومهم فمن حقهم علينا أن يعرفوا اننا ? اقصد المرحوم عبد الله الحوراني وكاتب هذه السطور- لم نكن اصحاب الوسام، بل هي المؤسسة التي ما عدنا نمثلها رسميا بعد التقاعد، اما عمن جاء بعدنا فإن الهموم والمشاغل المتعددة تشغل كل مسؤول بأشكال مختلفة من المبادرات الا ان الحاجة المعنوية تظل تستدعي هذا النوع من التقليد الذي يقول للمبدعين: انكم في البال دائما، وان القدس هي الأقنوم الاقدس في تاريخنا بحيث يجب ابتكار مختلف التقاليد حتى تظل عنوانا لنا ورمزا.
الوسام، الجائزة، البراءة.. ليست الاسماء هي المهمة، بل ان نفرح بالكينونة الوطنية حسب مختلف مفردات الفرح، ولأمر ما فإنه يحضرني قول محمود درويش يوم نجحنا في عقد مؤتمر كانت بعض القوى العربية تحظره علينا، وبناء على ذلك النجاح الارادي السيادي هتف يومها: شكرا لنا، واحسب أن فلسطين بكاملها قد ردت عليه يومها بشكر مماثل فضمير الجمع المتكلم الذي استخدمه الشاعر الخالد، كان منطلقا من والى فلسطين، ولما كانت كلمته تلك في المجلس الوطني، فقد كان ضمير الجمع المتكلم يلف على فلسطين من البحر الى النهر بحيث تستحق الشكر لانها فلسطين وطننا الذي لا وطن لنا سواه، وعلى هذا فلمحمود رحمه الله، حق ان يشكر الوطن نفسه لان هذه النفس الجامعة قد انجبته وجعلت من اسم محمود درويش رمزا لمؤسسة الفرح الجمالي بطبعيته الفلسطينية العربية والانسانية.
واذا كان الوسام، في بداية نشأته قد ظهر ممهورا بتوقيع هذا الشاعر الفريد، فهل كثير ان يحمل الوسام اسمه وصورته ليصبح في حوزة الثقافة الفلسطينية، وسام القدس للثقافة والفنون والآداب ? بصمة محمود درويش؟ انه ليس بيننا الآن حتى اجامله أو اداجيه، ولكنها محاولة وفاء للحقيقة، بمعنى وضع الصحيح في مكانه.
أما المؤسسة التي تنهض بهذه المهمة، فلا اقل من انها منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي الوحيد حتى دهر الداهرين، وكانت ولا تزال دائرة الثقافة هي نافذتها الابداعية الجمالية المطلة على العالم.. فلمن سيكون في عامنا القادم وسام القدس للثقافة والفنون والآداب، ان المستحقين ممن يعملون في الادب والفن والتاريخ والبحث والجغرافيا كثيرون، فهل نستأنف عيد الفرح الثقافي هذا؟ وماذا ننتظر؟

2014-10-28
اطبع ارسل