التاريخ : الإثنين 08-12-2025

الحبر الأعظم في المخيمات    |     اللجنة العليا التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني تعقد اجتماعها العاشر في رام الله    |     نادي الأسير: قرار الاحتلال نقل المعتقل المسن محمد أبو طير لـ "ركيفت" هو إعدام بطيء    |     خوري: نور السلام الذي يشع من بيت لحم سيبقى حاضرا رغم الظروف    |     إيرلندا وإسبانيا وهولندا تعلق مشاركتها في يوروفيجن 2026 احتجاجا على مشاركة إسرائيل    |     روسيا تؤكد ثبات موقفها تجاه القضية الفلسطينية    |     شيخ العقل يلتقى مبعوث الرئيس الفلسطيني ياسرعباس و سفير دولة فلسطين د محمد الاسعد    |     فتوح: إسرائيل تواصل خرقها الفاضح لاتفاقية شرم الشيخ والقانون الدولي الإنساني    |     الرئاسة ترحب بالبيان الختامي للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية    |     فتوح يرحب بالبيان الختامي لقمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي    |     الرئيس يشكر نظيره الصيني على تقديم 100 مليون دولار دعماً إنسانياً لفلسطين    |     "فتح" ترحب بالموقف الصادر عن الرئيس الصيني بتأكيده على الدعم الثابت لشعبنا    |     هيئة الأسرى ونادي الأسير يعلنون عن أسماء ثلاثة شهداء من معتقلي غزة    |     بحضور السفير الفلسطيني في لبنان جمعية المواساة تحيي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني واليوم الدولي لل    |     السفير الاسعد: الثقافة قادرة على تثبيت الحقيقة وبناء جسور الصداقة بين الشعوب    |     السفير الاسعد يلتقي قيادة حزب طليعة لبنان العربي وجبهة التحرير العربية    |     دائرة التنظيمات الشعبية بمنظمة التحرير: العلاج والتأهيل والسفر للعلاج حق لكل ذي إعاقة    |     "هيئة الأسرى": التجويع والإهمال الطبي مستمران في سجون الاحتلال    |     الجمعية العامة تصوت على قرار يدعو لانسحاب إسرائيل من أرض دولة فلسطين    |     "مقاومة الجدار والاستيطان": 2144 اعتداء نفذها الاحتلال ومستعمروه في تشرين الثاني الماضي    |     "الإحصاء": تضاعف الإصابات الجسيمة في غزة إلى 42 ألفاً وارتفاع حاد في حالات البتر    |     فتوح يرحّب بالقرار الأممي الداعي إلى تسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية    |     رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة: الوقت قد حان لاتخاذ خطوات حاسمة بشأن القضية الفلسطينية    |     الرئاسة تثمن موقف الإجماع الدولي بالجمعية العامة لصالح إنهاء الاحتلال على الأرض الفلسطينية في القدس
» لعبة المرايا
لعبة المرايا

لعبة المرايا

بقلم عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الأسرى
1-9-2014
اقرأ صفحة جريدة القدس قبل عشرين عاما، ويستهويني التاريخ وانا ابحث عن أقدامه وخطواته لعله يسير إلى الأمام، فلا أجده إلا واقفا متجمدا متكررا يصرخ بنفس العبارات والأخبار والأحداث وإن اختلف الزمان، التاريخ متكلس ويجتر الفجائع وصداها واشتقاقاتها، وتتباعد المواعيد والمكان هو المكان.
نحن الحركة الوطنية الفلسطينية لازلنا نردد ونطالب ما طالبنا به قبل عشرين عاما، كبرنا وهرمنا وكبر الوطن وهرم معنا، ولا زلنا في المربع الأول، نفتش عن مساحة لائقة للحرية والكرامة والخلاص من عبودية الاحتلال.
لقد فاوضنا وقاومنا ومتنا كثيرا، واعتقلنا وجرحنا وأبعدنا وهدمت منازلنا، وشنّت على رؤوسنا حروبا ومجازر دامية، تمسكنا بالأمل بين كل لحظة موت وموت، حملنا الحياة نيابة عن الشهداء، تظاهرنا واعتصمنا من أجل حرية الاسرى وحقوقهم العادلة، سافرنا إلى كل بقاع الأرض نحمل حقنا المستلب، لعل الضمير العالي يصحو وينفذ مبادئه وقراراته وثقافته وينتصر لحق تقرير مصيرنا، ولم نجد سوى أن هذا الاحتلال ازداد سمنة وبشاعة وعمقا.
كلما كبرنا في مرايا السياسة، وبدأ العالم يرانا أكثر وضوحا، وأصبحنا دولة عضو في الأمم المتحدة وفي العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكشفنا مدى الخطر على السلام العالمي والإنساني من استمرار هذا الاحتلال العسكري والاستيطاني، كلما صغر حجمنا في مرآة الاحتلال المدعوم أمريكيا، لا يرانا سوى حكم ذاتي مشوه وبائس، ولا يتعامل معنا إلا بمستوى أقل من البشر، ليس لنا حصانة ولا حقوق، مسموح ذبحنا واعتقالنا وإذلالنا على مدار الأربع والعشرين ساعة.
أحلامنا الكبيرة بعد اتفاقيات أوسلو، عندما وضعنا أقدامنا على عتبات انبلاج دولة فلسطين، وصار المنفى خلفنا، وصار لنا شرطة وعلم ومؤسسات وحكومة، تكسرت رويدا رويدا، بعد أن وجدنا صورتنا في مرآة المحتلين وإجراءات الأمر الواقع صغيرة جدا، احلامنا تقوقعت في اجراءات حسن النوايا، ومبادرات دفع عجلة المفاوضات، ليس لنا الا سلطة أُثقلت بأعباء الامور الحياتية حتى غرقت فيها وعجزت عن اجابة اسئلة الحرية والاستقلال والعودة والدولة... الصورتان في المرآة لنا، ولكنهما مختلفتان وكأنهما ليستا لنا.
الاحتلال انسحب من صورته كاحتلال وضلل العالم وضللنا، قلع عين العالم الذي رآنا بعين واحدة فقط، مشاريع تنمية، مؤتمرات اقتصادية، وقضاء وسجون وطفرة في البناء والتوظيف، ولم يستطع أن يرى دبابات الاحتلال تقف فوق أحلامنا وفي بيوتنا وأراضينا، تحتل الصلاة في القدس، وتحول قطاع غزة إلى مقبرة جماعية لسكانها.
هي لعبة المرايا السياسية، نشاهد حالنا كشعب يخضع للاحتلال بموجب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، دولة تحت الاحتلال تسعى للتحرر والاستقلال، ولكن العالم يشاهدنا بطريقة أخرى، فالرموز والشكليات والسلوكيات غيرت من شكلنا في المرايا، فالضفة محررة، فيها سلطة وحكومة وأجهزة ومؤسسات، وغزة محررة بعد انسحاب جيش الاحتلال من طرف واحد، وأي مقاومة من قبلنا تعتبر اعتداء على دولة أخرى، يحق لها إبادة الناس وقصفهم بأطنان القنابل، صورتنا الحالية ترسل انعكاسات وإشارات مزدوجة وقاتلة.
الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يعتبر حارسا للقرارات الدولية ومبادئ الميثاق، اعتبر أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، مطالبا فقط بعدم استخدام قوة مفرطة في العدوان الأخير على قطاع غزة، أنه يرى غزة في مرآته بلدا محررا وليست جزءا من أراضي ال 67 المحتلة المحاصرة، والتي دعت قرارات الأمم المتحدة إلى انسحاب إسرائيل منها، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في الحياة والدولة والحرية.
في مرآتنا الفلسطينية الثورية نرى أسرانا مناضلي حرية وأسرى حرب، وفق اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، وما نصت عليه حول حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أن تقاوم هذا الاحتلال بكل الأشكال، وأن من يقع في قبضة المحتل ينطبق عليه صفة المحارب القانوني والشرعي، وفي مرآة المحتلين والكثير من الدول لا زال الاسرى وعائلاتهم (إرهابيين)، يلبسون البرتقالي، يخضعون لمحاكم عسكرية غير عادلة، يجوز تطبيق قوانين الاحتلال الخاصة عليهم وليس القانون الدولي، ويجوز اعتقال الأطفال والنواب، وممارسة التعذيب والتنكيل، و سلب الاسرى حقوقهم الإنسانية والمعيشية وحقهم في محاكمات عادلة.
في المرآة الاحتلال كانت صورة السلام الاستراتيجي الذي طرحه الرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية، شكلا من أشكال الحرب والإرهاب الدبلوماسي كما وصفه الإسرائيليون، وفي مرآتنا كان السلام حقنا للدماء وإنهاء الصراع والعيش المشترك، وكلما لمعت صورة السلام الفلسطيني، كلما رفعت رايات الحرب من قبل إسرائيل وازدادت تطرفا.
في المرآة الفلسطينية تجد نفسك وزيرا أو مسؤولا بكل ما يعني ذلك من هيبة وسيادة وحصانة وطاقة على إصدار القرارات، ولكنك تجد نفسك في مرآة المحتلين وآخرين من أعوانهم الإقليميين والدوليين، رهينة تثير الشفقة، يدخل جيش الاحتلال إلى مكتبك الفاخر، يكلبشونك و يعتقلونك ويشبحونك ويعرونك ويمزقون أوراقك وصورك وهداياك الجميلة، حينها قد تكره صورتك، وتحطم تلك المرآة لأنها مزيفة.
وقعنا في لعبة المرايا، ضخموا صورتنا ليصغروا حقوقنا وهيئتنا في هذا التناقض المخيف، بين إخراج مبدع يرضى به المشاهدون، وبين واقع تحول إلى قفص لا يحتمل استيعاب صورتنا المكبرة.
الأضواء علينا، المكياج السياسي المبهر، حتى عندما نذبح نرقص فرحا، وعندما يفتحوا لنا معبرا لإدخال الخبز والمعكرونة نقيم الاحتفالات، وعندما نغضب ونكتشف اللعبة، يتغير الديكور وتبهت الصورة ، وتبتعد ملامحها الإنسانية.
علينا أن نخرج من المرآة، ولا نقبل أن نكون صورة لتجميل الاحتلال الذي وصل إلى قاعنا اضطهادا، ويسعى لشطب هويتنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية و الثقافية، وان نرى أنفسنا كما هي، في الشارع وعلى الحاجز وقرب المستوطنة الغاصبة.
وعلينا أن نستيقظ من لعبة المرآيا، نتحرر من لمعان السجن وإفرازاته: أكلا وشربا ورفاهية مؤقتة، لنرى أنفسنا سجناء بطبيعتهم، مقيدين محشورين، مهانين على أيدي محتلين، تارة بلباس مدني وتارة بلباس عسكري.
عندما تدخل الضحية المشهد في مرآة الأمر الواقع وترى نفسها فوق الضحية، أو نصف ضحية، أو أنها شفيت من كونها ضحية، يكون حينها الجلاد قد انتصر بامتياز وعيا وفكرا، وصنع ذاكرة أخرى لهذه الضحية، نسيان الألم، إفراغ التاريخ، وقد تتحول الضحية في صورتها الثانية جلادا يحطم صورتها الأولى.
كتبت لها:
هذا انا في مرآة الحرية
جميلا مبتسما متحمسا حالما
مشبع العواطف
وهذا انا في مرآة سجن نفحة
مربوطا مريضا عاريا
وخائف
عندما تزوريني أرجوكِ
اقلبي المرآة

 
2014-09-01
اطبع ارسل