ندوة لـ'شؤون فلسطينية': المعركة الدائرة بالقدس تضع الملامح الأخيرة للمشروع الإسرائيلي
إسرائيل تسيطر على نحو 12% من مساحة البلدة القديمة بالقدس
فلسفة الاستيطان بالقدس تهدف لإنهاء الوجود الفلسطيني
يجب أن تكون القدس مركز عنواننا السياسي والثقافي والاجتماعي
رام الله 15-2-2013
قال متحدثون في ندوة متخصصة بعنوان: 'الاستيطان وملامح التهويد في القدس عام 2012'، عقدتها مجلة 'شؤون فلسطينية'، إن المعركة الدائرة الآن في القدس يمكن تسميتها بوضع الملامح الأخيرة للمشروع الإسرائيلي في المدينة.
وقال المشرف العام على مجلة 'شؤون فلسطينية سامي مسلّم، إن الموقف الفلسطيني منذ بدء الاستيطان في القدس واضح، وهو ما يقوم على باطل فهو باطل، نحن نرفض الاســــتيطان. لقد أوقفت المفاوضات بسبب الاستيطان، ولا عودة للمفاوضات دون وقفه'.
وأضاف: 'شعبنا الفلسطيني لا يمكن أن يتخلى عن القدس، أقرب بوابة للسماء والعاصمة الأبدية لدولتنا المستقلة العتيدة. ولا نستطيع أن نتصور الدولة الفلسطينية قائمة بدون القدس عاصمة تاريخية وعاصمة أبدية لهذا الشعب من ناحية، وللأمتين العربية الإسلامية من ناحية أخرى'.
وطالب بضرورة أن تكون هناك رواية فلسطينية للأماكن المقدسة في فلسطين ولآثارها وتراثها الحضاري وعمارتها النفيسة.
ووصف مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، خليل التفكجي، الصراع على مدينة القدس بأنه صراع على الأرض والسيادة عليها، وفي نفس الوقت على الرموز، والشكل، والمظهر، والعلم الذي يرفع على مبانيها وأسوارها وصراع في الرواية، وفرض الأمر الواقع على الأرض من جانب واحد على كل الأصعدة، بهدف حسم الصراع على شكل المدينة المقدسة ومشهدها الثقافي.
واعتبر التفكجي أن تطور المشهد المقدسي في العام المنصرم، ملخصاً للسياسة التي كانت وما زالت دولة الاحتلال تتبعها كي تسيطر على القدس ضمن سعيها الدؤوب بتكريس المدينة عاصمة موحدة وأبدية لليهود في العالم.
وأكد أنه في الوقت الذي توضع فيه المخططات الهادفة إلى طرد المقدسيين وإخراجهم من القدس عن طريق تعزيز تواجد المستوطنين والمؤسسات وإقامة المستوطنات وتوسيع القائم منها وجعلها ذات أفضلية قومية، غير عابئة بالقوانين الدولية، فإن ردود الفعل ضد هذه الممارسات لا تتعدى سوى الصمت، أو الشجب.
وأشار الأستاذ في دائرة التاريخ في جامعة بيرزيت، المحاضر في جامعة القدس، نظمي الجعبة، في ورقة مكتوبه أرسلها للندوة، إلى أن إسرائيل أصبحت تسيطر اليوم على نحو 12% من مساحة البلدة القديمة في القدس، علاوة على إقامة نحو 90 نقطة استيطانية منتشرة في باقي أحيائها القديمة، إضافة إلى الأماكن التاريخية والأثرية والأنفاق التي حفرت أو يتم حفرها بشكل متسارع ومركز وبالتوافق مع المقاصد الاســـتيطانية.
وحذر الجعبة من ازدياد ظاهرة شرذمة الأحياء الفلسطينية في المدينة عبر نقاط استيطانية صغيرة أو كبيرة أو عبر طرق وشوارع وسكك حديد، بحيث يتم فصل الأحياء بعضها عن بعض، ومن ثم تفتيت كل حي بزرع نقاط استيطانية داخله.
ولفت المحاضر غير المتفرغ في الدراسات المقدسية في جامعة القدس يوسف النتشة، إلى أن المشكلة في الحفريات ليس فقط أنها ضد القانون الدولي وغير شرعية وغير مقبولة، ولكن أيضا في طريقة عرض هذه الحفريات وطريقة تطويع المعلومة لخدمة هدف سياسي ولخدمة فئة بسيطة جداً من نسيج فلسطين التاريخي ونسيجها الأثري الكبير جداً.
وأكد النتشة أنه لا يوجد في البلدة القديمة نسيج معماري يمكن أن يكون مرتبطاً بفترة تاريخية إسرائيلية أو يهودية، وأن إسرائيل تسعى لخلق هذا النسيج المعماري أو المشهد من خلال توجهها إلى الأنفاق، ولا يوجد دليل واضح على ارتباط الأنفاق بشخصيات إسرائيلية كما يقولون أو يدّعون.
وشدد على أن الرواية الإسرائيلية للآثار في القدس أو في فلسطين ليست رواية مقبولة عالمياً، ورأى أنّ الرواية الإسرائيلية للآثار الفلسطينية هي رواية استعمارية ستزول بزوال القوة السياسية التي تدعمها وسيأتي اليوم الذي سيقف فيه علماء الآثار ليُعيدوا النظر في النظريات التي ظهرت وفي القوالب التي وُضعت.
وقال مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي، إن فلسفة الاستيطان الإسرائيلي في القدس لها بعد وجودي وتهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني، ما أجبر إسرائيل على سنّ مجموعة قوانين في محاولة لمنع الفلسطينيين من البناء وهدم منازلهم وإلغاء إقاماتهم والتضييق على مؤسساتهم وفرض ضرائب باهظة وتضييق أمني واعتقالات، وبكلّ الوسائل، الممكنة بهدف إخراجهم من القدس.
وحذر التفكجي من خطورة المشاريع الاستيطانية، وخاصة مشروع (E1)، واعتبروه من أخطر المخططات الإسرائيلية في حال تنفيذه، باعتباره يهدف إلى إغلاق المنطقة الشرقية من القدس بشكل كامل، ومنع إقامة القدس الشرقية (كعاصمة لفلسطين)، وربط جميع المستعمرات الواقعة في المنطقة الشرقية وخارج حدود بلدية القدس مع المستعمرات داخل حدود بلدية القدس، وإقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي التي تعادل 10% من مساحة الضفة، وإحداث تغيير جذري في قضية الديموغرافيا الفلسطينية للصالح الإسرائيلي.
وبخصوص وضع اليد على العقارات في مدينة القدس، شدد وزير شؤون القدس، محافظ القدس عدنان الحسيني، على ضرورة ألا نستمع إلى القول بأنّ الفلسطينيين في القدس يبيعون أملاكهم، وأن البيوت التي خسرناها كان معظمها نتيجة تلاعبات واحتيال إسرائيلي وتزوير.
وقال: 'الشيء الآخر المهم هو قضية الحفريات التي بدأت منذ اليوم الأول من الاحتلال، وكانت الحجة أنّ الهدف منها ديني أولاً ثم تعليمي، ومن ثمّ أصبح الهدف منها تشويه الحقيقة والتلاعب بالثقافة، وأصبح الآن الهدف منها جني مكاسب مادية، إضافة إلى تشويه التاريخ'.
وأشار المحامي المستقل أسامة حلبي القانون الإسرائيلي وظف كغطاء للقرار السياسي ومكّن الإسرائيليين من وضع اليد والسيطرة على الأرض من جهة ومن جهة أخرى تحديد عدد الفلسطينيين وتحجيم حيزهم بحيث إما أن يتركوا البلد أو يحدد حق الناس الجدد القادمين ويبقى حق العودة محدداً لليهود فقط.
ولفت إلى أن موقف المجموعة الدولية بدءاً بهيئة الأمم المتحدة والدول جميعها في هذا الصدد واضح: وهو أنّ الاحتلال والضمّ، وخصوصاً الضمّ، هو أمر غير شرعي وغير قانوني. وأكبر مثال على ذلك أنه حتى الآن – ما عدا في مرحلة معينة كان هناك سفارتان- جميع دول العالم الأخرى، بما فيها أمريكا، لم تبنِ سفاراتها في القدس لا الشرقية ولا الغربية.
وشدد الرويضي على ضرورة أن تكون القدس مركز عنواننا السياسي والثقافي والاجتماعي خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع الدولي الخاص بنا كفلسطينيين والموجود في القدس كما يوجد مقرات الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية ووكالة الغوث ومكتب الأمم المتحدة و9 قناصل دول أجنبية.
وأكد أنه يجب أن يكون المركز السياسي للعمل الفلسطيني هو تعزيز الدور الفلسطيني في القدس وذلك من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية، ومشاريع إسكانية ومشاريع بناء، ودعوا العرب والمسلمين إلى نصرة القدس لكي لا تبقى وحيدة في معركتها ولا يدعمها سوى صمود سكانها في وجه الاحتلال.
ولفت إلى الحاجة الماسة لوجود خبراء قانونيين في القانون المحلي الإسرائيلي لمعرفة الأدوات التي نستطيع استخدامها لأن المواطن المقدسي مضطر إلى التعامل مع القضاء الإسرائيلي وبالتالي يجب أن نوفر للمقدسي احتياجاته من محامين خبراء.
وأكد ضرورة توحيد الجهود لتحريك الطاقات الشعبية الموجودة في القدس مع رجال الدين الإسلامي والمسيحي، والمجتمع المدني الموجود هناك، لمواجهة الاستيطان.
وفيما يلي أوراق العمل التي نوقشت في الندوة:
ندوة 'شؤون فلسطينية' العدد 251 شتاء 2013، والذي سينشر الأسبوع القادم
الاستيطان وملامح التهويد في القدس عام 2012
عقدت 'شؤون فلسطينية' ندوة متخصصة بالاستيطان والتهويد في القدس أدارها د.سامي مسلّم المشرف العام على مجلة 'شؤون فلسطينية'.
رحّب سامي مسلّم بالحضور باسم مجلة 'شؤون فلسطينية' التي يشرف عليها، بحضور: د.سميح شبيب رئيس التحرير، ود.عبد المجيد سويلم عضو اللجنة الاستشارية فيها.
كما رحب بالضيوف المحاضرين المشاركين بالندوة وهم: الأستاذ خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، ومعالي الأستاذ عدنان الحسيني، وزير شؤون القدس ومحافظ القدس، الأستاذ أسامة حلبي وهو محامٍ مستقل، ود. يوسف النتشة، محاضر غير متفرغ في الدراسات المقدسية في جامعة القدس، والأستاذ أحمد الرويضي، مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس.
وقد أرسل الدكتور نظمي الجعبة، الأستاذ في دائرة التاريخ في جامعة بيرزيت والمحاضر في جامعة القدس كذلك، ورقته مكتوبة، وسترد ضمن المداخلات.
بدأ د.مسلّم حديثه الاستهلالي بالقول بأنّه عندما كتب الكاتب اللبناني، المناضل، إلياس خوري رواية 'باب الشمس' لم يكن في اعتقاده أنه، بعد عشرين سنة من كتابته هذه الرواية، ستقوم قرية فلسطينية اسمها 'باب الشمس'. قلّما يستطيع كاتب الحصول على ترجمة واقعية لروايته مثلما حصل مع إلياس خوري في هذه التسمية. وبالطبع للشمس مغزاها ومعانيها الدفينة وكذلك معانيها الظاهرة في رواية إلياس خوري.
لكن الشمس تشرق كلّ يوم. ونحن على أمل أن تشرق هذه التجربة الفريدة من نوعها في تاريخنا الفلسطيني المعاصر، لأن الشعب الفلسطيني يقوم، لأول مرة، منذ حرب حزيران 1967 بالرد على ما تفعله الحركة الصهيونية، من تهديم القرى الفلسطينية.
فالفلسطينيون ليس فقط يمارسون الصمود على الأرض والدفاع عنها، وإنما يقومون بمحاولة بناء قرية جديدة في فلسطين على أرض خصصها الاحتلال الإسرائيلي للمصادرة، لتربط بين المستوطنات حول القدس. الصهيونية ما كانت لتقوم لولا الاستيطان. فالاستيطان، مثل الهجرة في الصهيونية، هما صنوان للاستعمار وصنوان للاستيطان وللاعتداء ومصادرة الأراضي وتهجير الشعب الفلسطيني. وتداعيات الاستيطان في العقدين الأخيرين، وللأسف منذ توقيع اتفاقية أوسلو، هو أضعاف ما كان عليه قبل تلك الفترة. بالطبع الاستيطان في فلسطين بدأ قبل 130 سنة تقريباً. في 1882 قامت أول مستوطنة يهودية في فلسطين واستمرّ الاستيطان بعد ذلك حتى استطاعوا في المرحلة الأولى إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وفي عام 1967 تم احتلال كل فلسطين إلى جانب بعض الأراضي العربية المحتلة الأخرى في ذلك الوقت والتي مازال جزء منها محتلاً أيضاً.
بدأت عملية الاستيطان مباشرة ثالث أيام احتلال القدس بهدم حيّ المغاربة. ففي 6 حزيران (يونيو) دخل جيش الاحتلال الاسرائيلي منتصف القدس، ويوم 9 حزيران (يونيو) قامت جرافات الاحتلال بهدم حارة المغاربة. وهذا كان أوّل عمل إجرامي قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي وجيش الاحتلال في القدس ليتبعه في 28 من الشهر نفسه تغيير القانون الخاص بالقدس وإلحاق القدس بدولة إسرائيل واستثناؤها من بين باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة حينها.
طبعاً هذه ليست لمحة تاريخية وإنما مقدمة للدخول في هذا الموضوع. كان الموقف الفلسطيني إن بالطبع، بالنسبة لموقف السلطة الفلسطينية من القدسكان واضحاً. فمنذ بدأ الاستيطان في القدس، ما يقوم على باطل فهو باطل، بغض النظر أكان الاستيطان يشمل مدناً مثل موديعين أو قرى غيرها. نحن نرفض الاستيطان. لقد أوقفت المفاوضات بسبب الاستيطان، ولا عودة للمفاوضات دون وقف الاستيطان. نتأمل من الإخوة أن يتحدثوا عن أهمية القدس، تاريخياً، ودينياً، وأثرياً، وسياسياً، وقانونياً، وسياحياً، بالنسبة لبلادنا المقدسة ولشعبنا الفلسطيني لأنه لا يمكن أن نتخلى عن القدس، أقرب بوابة للسماء والعاصمة الأبدية لدولتنا المستقلة العتيدة. ولأنّ شعبنا شعب مؤمن ومناضل وصامد على أرضه ولا نستطيع أن نتصور الدولة الفلسطينية قائمة بدون القدس عاصمة تاريخية وعاصمة أبدية لهذا الشعب من ناحية وللأمة العربية والأمة الإسلامية من ناحية أخرى. وكما قال الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات عن القدس: ليس منا وليس فينا من يفرط بحبة تراب من تراب القدي. أمامنا أساتذة مهمون، مناضلون قبل كلّ شيء، مناضلون من أجل الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي والإنساني في القدس، إلى جانب خبرتهم العلمية والميدانية والأكاديمية والمعلوماتية في موضوع القدس.
* خليل تفكجي
يمكن وصف الصراع على مدينة القدس بأنه صراع على الأرض والسيادة عليها، وفي نفس الوقت صراع على الرموز، والشكل، والمظهر، والعلم الذي يرفع على مبانيها، وأسوارها وصراع في الرواية، وفرض الأمر الواقع على الأرض من جانب واحد على كل الأصعدة حيث يمكننا القول بأنّ الوضع العام يشهد مرحلة متقدمة من خواتم الأمور. وقد تجسد هذا النشاط في كل أنحاء المدينة وخاصة البلدة القديمة، وأصبح الصراع على الحيز مهمة 'لحُوحة' للمؤسسات والجمعيات الاستيطانية، بهدف حسم الصراع على شكل المدينة المقدسة ومشهدها الثقافي.
فقد مرّ أكثر من أربعة عقود على احتلالها، وما زال مظهرها (هويتها) الأساس عربياً، مما سرع المشروعات الإسرائيلية المختلفة لتغيير مشهد المدينة، وإكسابه هوية مغايرة، إن لم تكن يهودية إسرائيلية، فعربية أقل، وجعل المدينة ذات أفضلية قومية، وعاصمة للشعب اليهودي في كل أنحاء العالم، وتخصيص ميزانيات ضخمة لإعادة تشكيل المدينة. والاستيطان داخل البلدة القديمة، وحسم وضع حارة اليهود الموسعة (12%) من مساحة البلدة القديمة، وإعادة بناء غالبية أجزائها وشحنت بالمؤسسات والمتاحف والحفريات الأثرية الموسعة لتساهم أيضاً في تغريب المكان.
إنّ الداخل اليوم إلى حارة اليهود الموسعة يشعر وكأنه في عالم ليس له علاقة بباقي البلدة القديمة، فكل شيء يوحي بتاريخ يهودي عريق ومتجذر، فالمظاهر المادية والثقافية عدا عن البشرية تفرض إحساساً بأنّك في أيّ مكان لكن ليس في القدس القديمة.
وضعت السلطات الإسرائيلية برنامجها وخطة أطلق عليها مشروع 2000 لعام 2020، الهدف منه الحد من الوجود العربي في مدينة القدس، حيث أشارت الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الإسرائيلية إلى أنّ عدد السكان العرب في عام 2040 سيصبحون 55% من المجموع العام للسكان، مما أشعل الضوء الأحمر أمام المخططين الإسرائيليين ودفعهم، لوضع خارطة هيكلية لمدينة القدس بهدف تطوير المدينة وتقوية مركزها باعتبارها عاصمة الدولة العبرية ومركزاً للشعب اليهودي، وتقوية مركزها الاقتصادي والاجتماعي والعناية بالمباني العامة ومباني المؤسسات القومية الدولية وتعزيز وزيادة قوة جذب المدينة بعد أن ظهرت في السنوات السابقة كمدينة طرد سكاني.
وهكذا فإن المخطط 2020 بكل أبعاده السياسية والتخطيطية يطرح هدفاً واحداً وهو تقليص الوجود الفلسطيني في المدينة، خاصة في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها قضية القدس، حيث يخصص فائض الوحدات السكنية ومساحات التطوير للجانب اليهودي بهدف جذب سكان جدد ومنع الهجرة. أما بالنسبة إلى الفلسطينيّين، فإنها جاءت فقط لاستيعاب الزيادة السكانية عن طريق منح حقوق بناء طوابق جديدة على المباني القائمة، دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية لاستيعاب السكان الجدد.
القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي:
شكلت الزيادة السكانية العربية، مفصلاً أساسيًا في رسم خطوط القدس الكبرى. ففي العام 1993 بدأ التخطيط 'للقدس الكبرى' والتي كان يحمل لواءها 'بنيامين بن اليعازر' وزير الإسكان آنذاك، مدعوماً بتعليمات مباشرة من إسحق رابين، لتنفيذ المخطط الذي كان من أهم أهدافه (خلق تواصل واضح للسكان اليهود، وتقليص التقارب والاحتكاك مع العرب، والحفاظ على تعزيز مكانة القدس الخاصة كعاصمة لإسرائيل وكمدينة عالمية)، بالإضافة إلى ربط المستعمرات خارج حدود البلدية مع داخلها بواسطة (ممرات) لتحقيق أغلبية يهودية (12% من العرب و88% من اليهود).
وهذه الخطة تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي للصالح الإسرائيلي، تنفيذاً لرؤية إيهود أولمرت (رئيس بلدية القدس آنذاك) الهادفة إلى ضم الكتل الاستيطانية الواقعة خارج حدود البلدية، وإخراج التجمعات العربية، وفصل المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض وتقسيم الضفة إلى كانتونات، وإحكام السيطرة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ومنع أي جهد فلسطيني لإيجاد وحدة الولاية الجغرافية عليها، أو الانتقال لممارسة السيادة الفلسطينية على الأرض، وتدمير أي نمط اقتصادي مستقل خاصة بالضفة الغربية ومنع قيام عاصمة فلسطينية بالقدس.
المشروع الاستيطاني E1
تم الإعلان عن هذا المشروع عام 1994 على مساحة تبلغ 12443 دونماً من أراضي قرى (الطور، وعناتا، والعيزرية، وأبو ديس) ويهدف المخطط الذي صودق عليه عام 1997 من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك اسحق مردخاي إلى:
1. إقامة منطقة صناعية على مساحة 1 كم2.
2. إقامة 4000 وحدة سكنية.
3. إقامة 10 فنادق.
ويعتبر المخطط من اخطرلا المخططات الإسرائيلية للأسباب التالية:
1. إغلاق المنطقة الشرقية من منطقة القدس بشكل كامل وتطويق المناطق (عناتا، والطور، وحزما).
2. منع إقامة القدس الشرقية (كعاصمة لفلسطين) وإمكانية تطورها باتجاه الشرق.
3. ربط جميع المستعمرات الواقعة في المنطقة الشرقية وخارج حدود بلدية القدس مع المستعمرات داخل حدود بلدية القدس وبالتالي تحويل القرى العربية إلى معازل محاصرة بالمستعمرات.
4. إقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي التي تعادل 10% من مساحة الضفة وإحداث تغيير جذري في قضية الديموغرافيا الفلسطينية للصالح الإسرائيلي.
5. من الناحية الأمنية إقامة ممر يصل منطقة الساحل بغور الأردن بعرض يصل إلى 15كم، واضعاً مدينة القدس في قلب هذا الممر، حيث يشعر المسافر من منطقة الساحل إلى منطقة الغور بأنه ما زال في الدولة العبرية، كذلك سهولة نقل القوات العسكرية من منطقة الساحل إلى الأغوار دون عوائق.
وفي خطوة جريئة وافق نائب وزير الداخلية (إيلي يشاي) على توصيات وزارة الداخلية الإسرائيلية بضم مستوطنة (كيدار) إلى مستوطنة (معاليه أدوميم) الواقعة على بعد 3 كم شرقاً وتوسيع المستوطنة بـ12 ألف دونم، ونقل إدارة هذه المستوطنة إلى نفوذ (معاليه أدوميم) وضمن المناطق الفاصلة بين المستوطنات إلى معاليه أدوميم. وسيتم بناء 6000 وحدة سكنية لاستيعاب 30000 مستوطن. علماً بأن مستوطنة معاليه أدوميم تعتبر أكبر المستوطنات وأول بلدية استيطانية تم إعلانها من قبل السلطات الإسرائيلية تبلغ مساحة مخططها 35كم2 وعدد سكانها 32,000 ألف نسمة. فإذا تم ضم كتلة معاليه أدوميم المكونة من ثماني مستوطنات (كيدار، ومعاليه أدوميم ، وE1، وألون، وكفار أدوميم، وعلمون، ونفي برات، والمنطقة الصناعية مشور أدوميم) تصبح مساحة الأرض المضمومة (191 كم2) لاستيعاب ما يزيد عن 100 ألف مستوطن.
المخطط 2020
جاء المخطط 2020 بعد أن وصل عدد السكان العرب إلى 35% من المجموع العام للسكان على الرغم من السياسة السابق ذكرها. كما أن الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الإسرائيلية، والتي تنبأت بأن العرب عام 2040 سيصبحون 55% من المجموع العام للسكان، أضاءت الضوء الأحمر أمام المخططين الإسرائيليين. فشكلت الحكومة الإسرائيلية طاقماً توجيهياً مكوناً من 40 مخططاً في مجالات متعددة، وضمت 31 ممثلاً عن بلدية القدس برئاسة رئيس البلدية لوضع خارطة هيكلية لمدينة القدس بهدف تطوير المدينة وتقوية مركزها باعتبارها عاصمة الدولة العبرية ومركزاً للشعب اليهودي، وتقوية مركزها الاقتصادي والاجتماعي والعناية بالمباني العامة ومباني المؤسسات القومية الدولية، وتعزيز وزيادة قوة جذب المدينة بعد أن ظهرت في السنوات السابقة كمدينة طرد سكاني، وخلق احتياطي من الأراضي للبناء السكني، والذي يعني أن محاولة إسرائيل السيطرة على المدينة قد اتخذت منحى جديداً وهو الصراع الديموغرافي والذي نشاهده في سطور الكتاب الصادر عن البلدية، حيث تشير الخطة إلى المحافظة على نسبة النمو السكاني العربي.
في حين تفيد المعطيات بوجود 'ما بين 20-15 ألف' وحدة سكنية غير قانونية. كما أن إخفاق مشروع التوسع باتجاه الغرب وبناء (20) ألف وحده سكنية لليهود، الذي لاقى مقاومة من الأحياء اليهودية، وتم على أثرْ إغلاق ملف مشروع صفادي وتحويله إلى منطقة القدس الشرقية. وهكذا، فإن المخطط 2020 بكل أبعاده السياسية والتخطيطية، يطرح هدفاً واحداً وهو تقليص الوجود الفلسطيني في المدينة خاصة في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها قضية القدس، حيث يخصص فائض الوحدات السكنية ومساحات التطوير للجانب اليهودي بهدف جذب سكان جدد ومنع الهجرة.
أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنها جاءت فقط لاستيعاب الزيادة السكانية عن طريق منح حقوق بناء طوابق جديدة على المباني القائمة، دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية لاستيعاب السكان الجدد. كما أنه يأخذ بعين الاعتبار بعض المناطق ذات الطابع القروي التي لا يسمح بالبناء فيها، وفي حين أن تخصيص 2500 دونم لبناء 26 ألف وحدة سكنية للعرب لا يمكن تطبيقه على الأرض لأسباب عديدة أهمها ملكية الأرض وقضية المشاع وعدم وجود بنية تحتية، وعدم توفر الإمكانيات المادية لهذا البناء، إذا افترضنا حل جميع المشاكل السابقة الذكر. علماً بأن 9.500 دونم وهي المساحة المخصصة لإقامة 47.000 وحدة سكنية.
مشروع 30/1
يعتبر المشروع 30/1، وهو المخطط الهيكلي اللوائي لمنطقة القدس الذي يمتد من منطقة اللطرون حتى حدود بلدية القدس الموسعة، أهم المخططات الهيكلية للمنطقة حيث يهدف إلى تامين وتطوير لواء القدس من النواحي الاقتصادية، الاجتماعية والتربوية من خلال عملية تطوير ممكنة التنفيذ بما يضمن الحفاظ على طبيعة نسيج البناء القائم. بالإضافة إلى إحداث تغيير جذري للوضع السكاني في المدينة، فهو يهدف إلى تكثيف عملية البناء في ضواحي المدينة وتحضير الخرائط التفصيلية لها. وهو يهدف كذلك إلى توسيع الأحياء القائمة من خلال المحافظة على النسيج البنائي القائم وخصوصاً في المناطق الحساسة والمناطق التي يجب المحافظة على طبيعتها مثل حوض البلدة القديمة، وتشجيع الهجرة للقدس من الخارج، وإعطاء الامتيازات للقدس، وإعلانها كمنطقة تطوير من الدرجة الأولى وتشجيع العمالة والعمل، واعتبار القدس هي المركز الديني، والروحي وقلب الثقافة والحضارة للشعب اليهودي.
المستوطنات في حدود بلدية القدس التي تم توزيعها في عام 1967م هي 15 مستوطنة إسرائيلية منها منطقة صناعية، والبؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة هي بين70 -75 بؤرة، وهناك البؤر الاستيطانية حول البلدة القديمة وهي 26 بؤرة حسب مخططهم منها 10 أصبحت مقامة بالفعل.
تأثيرات جدار العزل على الأوضاع في المدينة المقدسة
اعتراف المستشار القضائي للدولة العبرية السابق (مئير شمغار) بأن جدار الفصل العنصري الذي يقام الآن بمدينة القدس، يتيح للقيَم على أموال الغائبين أن يستولي على أملاك الفلسطينيين الذين يسكنون خارج الجدار. وهذا الوضع الناشئ عن الجدار سلب من الفلسطينيين أراضيهم وممتلكاتهم، التي انتقلت إلى الحارس على أملاك الغائبين.
كما أن إسرائيل تسعى من خلال استلاب الفلسطينيين لأملاكهم استلاب حقهم في الحركة وحرمانهم من حقوقهم المقدسية من خلال ذرائع مختلفة، لعزل القدس بكل ما فيها من أحياء وقرى محيطة عن الضفة الغربية. ولأول مرة تعترف الدولة بأن الاعتبار في تحديد مسار جدار الفصل ليس أمنياً بل سياسياً ديموغرافياً حيث تدخل اعتبارات أخرى. فهو كسكين يَقطع شرايين الحياة وطوق خانق للمدينة. ولقد اعترف رئيس بلدية القدس (نير بركات) 'بأننا لسنا بحاجة إلى 60 ألف فلسطيني يسكنون خارج الجدار'. ويعيش في المدينة 300 ألف عربي يحملون بطاقات زرقاء مقدسية، منهم 175 ألفاً سيعيشون داخل الجدار والباقي خلف الجدار.
الحدائق التوراتية / التاريخية:
في ظاهرة لتزوير التاريخ وتهويد الأرض بدأت سلطات الاحتلال بالإعلان عن مساحات كبيرة من أراضي القدس حدائق تاريخية/ تلمودية، وذلك بالتعاون مع الجمعيات الاستيطانية ووزارة السياحة بهدف تغيير المعالم وتاريخ المدينة المقدسة، حيث يتم إنشاء هذه الحدائق وإعطاؤها تسميات دينية يهودية، وتقديمها للعالم (مدينة يهودية تاريخية) ترتبط ارتباطاً عضوياً بالتاريخ والدين والسيادة. وقد تم إحاطة البلدة القديمة بهذه الحدائق بدءاً من المنطقة الجنوبية (سلوان) والشرقية (وادي جهنم) وشمالاً (جبل المشارف).
وبشكل موازٍ نشرت وزارة الاسكان الإسرائيلية عطاءات لبناء آلاف الوحدات السكنية داخل مدينة القدس، وذلك ضمن مشروعها إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع مستوطنات قائمة للوصول للهدف المعلن بإقامة (58) ألف وحدة سكنية استيطانية حتى عام 2020. وتأتي هذه الخطوة بادعاء الرد على الجانب الفلسطيني ورسائل إلى العالم بأنّ القدس عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودي. بالإضافة إلى إقامة البؤر الاستيطانية داخل الأحياء الفلسطينية وربطها بالشوارع والسكك الحديدية ضمن سياسية واضحة بأن القدس لا يمكن تقسيمها، كذلك مشروع إقامة (11 الف) وحدة استيطانية في منطقة مطار قلنديا وربطها مع مستوطنات الضفة الغربية عن طريق (الأنفاق) الذي يعني إقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي. وأنّ إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ومطارها قلنديا أصبح مجرد وهم.
خلاصة
يعتبر تطور المشهد المقدسي خلال العام المنصرم ملخصاً للسياسة التي كانت ومازالت دولة الاحتلال تتبعها كي تسيطر على القدس ضمن سعيها الدؤوب بتكريس المدينة عاصمة موحدة وأبدية لليهود في العالم. وبين السياسة والدين، والقانون، يعج المشهد المقدسي بالممارسات الإسرائيلية التي تمعن في استباحة الأرض وانتهاك الحقوق والاعتداء على المقدسات والتضييق على المقدسيين وعزلهم. وفي الوقت الذي توضع فيه المخططات الهادفة إلى طرد المقدسيين وإخراجهم من القدس عن طريق تعزيز تواجد المستوطنين والمؤسسات وإقامة المستوطنات وتوسيع القائم منها وجعلها ذات أفضلية قومية، غير عابئة بالقوانين الدولية. وفي هذا الجو القائم للمقدسيين فإن ردات الفعل ضد هذه الممارسات لا تتعدى سوى الصمت، أو الشجب.
* نظمي الجعبة: الحوض المقدس (الحوض التاريخي)
بعد فرض القانون الإسرائيلي على القدس عام 1967، ومن ثم إعلان القدس 'الموحدة الموسعة' (حوالي 110 كيلومترات مربعة) بشرقها وغربها 'العاصمة الأبدية لإسرائيل'، بدأ الاستيطان في البلدة القديمة في حزيران (يونيو) عام 1967 بتدمير حارة المغاربة والسيطرة على بعض المباني المحيطة بها. ثم تبع ذلك لاحقاً بمصادرة ما يسمى بحارة اليهود بعد توسيع حدودها أكثر من ثلاثة أضعاف. ثم انتشر الاستيطان داخل البلدة القديمة في باقي الأحياء في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين. اليوم تسيطر إسرائيل على حوالي 12% من مساحة البلدة القديمة، علاوة على حوالي 90 نقطة استيطانية منتشرة في باقي أحيائها القديمة، هذا عدا عن الأماكن التاريخية والأثرية والأنفاق التي حفرت أو يتم حفرها بشكل متسارع ومركز وبالتوافق مع المقاصد الاستيطانية.
ودون الدخول بتفاصيل حول الاستيطان في القدس، فقد تم الانتهاء من غالبية مشاريع الاستيطان في المدينة. ويجري الآن وضع اللمسات الأخيرة المتمثلة في إحكام إغلاق الفراغات المتبقية، مثل المنطقة الجنوبية (مشروع مستوطنة جفعات همتوس) بحيث تصبح البوابة الجنوبية للمدينة مغلقة تمام الإغلاق عبر سد حاجز من المستوطنات المشكلة من جيلو وجفعات همتوس وهار حوماه (جبل أبو غنيم).
ومن الناحية الشرقية جرى الإعلان قبل أسابيع تشرين أول (أكتوبر) 2011 عن إقامة الحديقة الوطنية التوراتية على السفح الشرقي لجبل الزيتون لمنع اتصال العيسوية بالطور وعناتا، والتحضير للخطوة التالية وهي ما يسمى بمنطقة E1 الواقعة إلى الشرق من جبل الزيتون، ليتم عبرها ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس لتعزيز القاطع الاستيطاني الشرقي الذي يربط القدس بالأغوار. أما من الشمال، فقد انتهت المستوطنات من عملية الإغلاق والفصل الكاملين، وما يجري الآن هو عملية تسمين تدريجية، تشابه ما يتم في باقي الضفة الغربية في المستوطنات ذات 'البعد الاستراتيجي'، وتحت مسمى 'النمو السكاني الطبيعي.' وبالتأكيد، ستكون الخطوات الاستيطانية القادمة هي ملء الفراغات الممكنة بين الطوق الاستيطاني الخارجي (مثل جوش عتصيون في الجنوب) وبين الطوق الاستيطاني الداخلي (مثل جيلو وهار حوماه).
ويمكن ملاحظة ازدياد ظاهرة شرذمة الأحياء الفلسطينية في المدينة عبر نقاط استيطانية صغيرة أو كبيرة أو عبر طرق وشوارع وسكك حديد، بحيث يتم فصل الأحياء بعضها عن بعض، ومن ثم تفتيت كل حي بزرع نقاط استيطانية داخله.
ظهر الاستخدام الرسمي لمصطلح 'الحوض المقدس' أو 'الحوض التاريخي' منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، ذلك بسبب عملية السلام من جهة، وبسبب إدراك المخطط الإسرائيلي باستحالة السيطرة الكاملة على النمو السكاني الفلسطيني داخل حدود البلدية، ونمو نزعة، بين بعض المخططين ورجال السياسة الإسرائيليين، للتخلص من غالبية الأحياء الفلسطينية الضيقة والمنزوعة من الأراضي وغير القابلة للتطوير والتنمية، وإعطائها للسلطة الوطنية الفلسطينية ضمن مفاوضات الحل النهائي أو حتى دون ذلك إذا لزم الأمر في اطار أحادي الجانب.
وجرى خلال هذه العملية تطوير مفاهيم مختلفة لجغرافية القدس، وذلك بناء على المصالح الإسرائيلية، والتي تقضي بضم أقل عدد من الفلسطينيين إلى إسرائيل، مع أكبر بقعة جغرافية ممكنة في منطقة القدس بشكل عام وفي منطقة البلدة القديمة بشكل خاص، بما يتوافق والتواصل الاستيطاني. ومنذ ذلك الحين تركز إسرائيل أعمالها المشكلة من توسيع الاستيطان، والسيطرة على العقارات، وتوسيع المناطق الخضراء، وتوسيع المحميات التاريخية والأثرية، وهدم المنازل، واقتلاع الفلسطينيين من هذه المنطقة.
وبناء على هذه المعايير، تم تحديد حدود القدس، التي ستحاول إسرائيل الحفاظ عليها في مفاوضات الحل النهائي. وقد تطورت فكرة هذه الحدود بالتوافق النسبي ومعايير الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، التي أطلقها في مفاوضات كامب ديفيد العام 2000، والتي أصبحت، إلى حد بعيد، من المرجعيات التفاوضية. أعلن الرئيس كلينتون فيما يخص القدس أن الأحياء العربية ستكون ضمن دولة فلسطين، والأحياء اليهودية (بما فيها المستوطنات في القدس العربية) ستكون ضمن إسرائيل. ولكن لم يتم التوصل إلى شيء واضح بهذا الخصوص لأن الإمكانات على أرض الواقع لتطبيق مثل هذه المبادئ تواجه صعوبات كثيرة، وقد جرت محاولة لترسيم أفكار كلينتون على الأرض وبإنتاج خرائط ضمن المفاوضات الرسمية وغير الرسمية.
ويمكن ملاحظة معالم هذه 'القدس' من خلال السياسات التي يتم تنفيذها على أرض الواقع، ومن خلال متابعة تصريحات رجال السياسة في إسرائيل، بأنها تعني القدس الغربية بالإضافة إلى كل المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية، والتي تم بناؤها بعد العام 1967، و'الحوض المقدس' أو 'الحوض التاريخي.'
ويعني الحوض المقدس كل البلدة القديمة، والسفوح الشرقية لجبل الزيتون، وجزءاً من سلوان خاصة ما يسمى بـ'مدينة داود' ووادي حلوة، ووادي الربابة وجبل النبي داود. ويمكن بالتأكيد إثبات رسوخ التفكير الإسرائيلي بهذه المنطقة ضمن المخططات الهيكلية التي سبقت احتلال القدس العربية قبل حزيران 1967، وبالتالي البدء العملي والجدي على تعزيز هذا المفهوم منذ اليوم الأول للاحتلال. وقد تتغير هذه الحدود بالتوافق مع النمو الاستيطاني في المناطق القريبة، فقد تضم أجزاء أوسع من سلوان ورأس العامود، وقد تتوسع أيضا باتجاه الشيخ جراح.
وتسعى إسرائيل في هذه الفترة إلى تثبيت مفاهيمها في هذه المنطقة عبر سلسلة من النشاطات الاستيطانية والأثرية الواسعة، كما يتضح الأمر في سلوان ورأس العمود بشكل عام، وفي وادي حلوة بشكل خاص.
إن المعركة الدائرة الآن في القدس يمكن تسميتها بوضع الملامح الأخيرة للمشروع الإسرائيلي في المدينة، وذلك ضمن المكونات التي ذكرت أعلاه. وضمن هذه النشاطات يمكن أيضا فهم أعمال الحفر الأثرية التي تتركز في سلوان، وبزيادة تشبيك المستوطنات بعضها ببعض، وخاصة باستخدام الأنفاق للوصول من منطقة لأخرى في البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها دون المرور بالحارات الفلسطينية.
ولتطوير ربط 'الحوض المقدس' بشمال المدينة، تجري حاليا عملية استيطان مكثفة في حي الشيخ جراح، والتي تهدف إلى تأمين تواصل جغرافي بين الجامعة العبرية على جبل المشارف والسفح الشمالي الشرقي لجبل الزيتون وبين 'الحوض المقدس'، مرة باستخدام ذريعة 'المكان المقدس' وهو قبر شمعون الصديق في هذه الحالة، ومرة أخرى باستخدام حجة وجود أملاك يهودية في تلك المنطقة تعود ملكيتها لليهود إلى قبل العام 1948، كذلك الأمر في 'كُبانية أم هارون'. وقد اشتدت وتيرة ذلك خلال الفترة الأخيرة في قضية بيت الكرد وبيوت أخرى. وبيت الكرد تسكنه عائلة الكرد في حي الشيخ جراح منذ العام 1954، وهو واحد من 28 بيتاً في حي الشيخ جراح تقول جمعية استيطانية أنها اشترت أرضها من عائلات يهودية تدعي أنها تملكها منذ القرن التاسع عشر.
وأعلنت الجمعية خطة لإقامة حي استيطاني من 200 وحدة سكنية على هذه الأرض. ويخشى سكان الحي أن يكون قرار المحكمة الإسرائيلية، القاضي بإخلاء عائلة الكرد من بيتها، مقدمة للاستيلاء على بقية البيوت الـ28 وهدمها وإقامة الحي الاستيطاني محلها. وأقيمت البيوت المذكورة مطلع الخمسينات من جانب وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) لإسكان مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من غربي القدس بعد طردهم من بيوتهم. ويذكر بأن البيوت مقامة على أراض استأجرتها الوكالة من الحكومة الأردنية.
وأما الموقع الآخر الذي جرى فيه ضمان التواصل الاستيطاني فهو فندق شبرد في حي الشيخ جراح أيضا، والواقع تحت سيطرة حارس أملاك الغائبين، والذي يتم تطويره والمنطقة القريبة منه من كرم المفتي إلى مستوطنة الشيخ جراح عبر فندق الشبرد إلى مقار الحكومة ومن ثم إلى جبل المشارف.
وإلى الجنوب من البلدة القديمة هناك نشاط استيطاني محموم في وادي حلوة، الواقع خارج سور القدس الجنوبي والذي لا يبعد أكثر من 100 متر عن المسجد الأقصى، حيث يتم الاستيلاء المنظم على العقارات والمواقع الأثرية. وقد أعطيت إدارة المواقع الأثرية، خاصة المنطقة المسماة بـ'مدينة داود'، إلى الجمعية الاستيطانية إلعاد، مما يفضح التوجهات الإسرائيلية القاضية بتسخير كل الإمكانات لتسهيل عملية الاستيطان.
إن هذا الأمر يؤكد أيضاً أن الجمعيات الاستيطانية الناشطة في البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها ما هي إلا أذرع حكومية غير رسمية، تقوم بالأعمال 'الوسخة' التي تترفع الحكومة الإسرائيلية عن القيام بها بشكل مباشر مثل تزوير الأوراق الرسمية والضغط على السكان الفلسطينيين وترحيلهم.
ولا يقل حي رأس العامود، الواقع على بعد 500م جنوب شرق البلدة القديمة، معاناة عن وادي حلوة، فبعد أن أُنشئت مستوطنة رأس العامود المسماة 'هار هزيتيم' والتي تضم 60 وحدة سكنية أصبحت كلها مأهولة الآن، قامت مجموعة استيطانية بشراء مقر الشرطة في رأس العامود، وتبلغ مساحة الأرض التي تم إخلاؤها 10 دونمات. وأن الـمخطط الإسرائيلي الذي صادقت عليه اللجنة اللوائية الإسرائيلية يقضي ببناء 110 وحدات استيطانية إضافة إلى 7 مؤسسات إسرائيلية عامة على هذه الأرض. وستباشر بهدمه وإقامة وحدات سكنية تحت اسم 'معاليه دافيد'، لربطها بالحي الاستيطاني 'هار هزيتيم'.
وآخر الآليات المستخدمة بشكل إبداعي هي الحدائق الطبيعية والتوراتية كما هو الحال في بستان سلوان (حي البستان)، أو في السفوح الشرقية لجبل الزيتون. ومن المثير معرفة القرار الأخير مطلع كانون أول (ديسمبر) 2011 إقامة الكليات العسكرية للجيش الإسرائيلي على السفح الغربي لجبل المشارف المطل على البلدة القديمة.
* عدنان الحسيني:
شكراً على هذه الدعوة ونحن بحاجة دائماً للتواصل من أجل تفعيل الذاكرة، وفي نفس الوقت، يجب أن نكون متفائلين، نحن في معركة تحتاج إلى معنويات عالية. منذ بداية الاحتلال الاستيطاني. ففي يوم 09/06/1967 عندما تم هدم حارة المغاربة، وحوالي 132 منزلاً ومنشأة تجارية ومسجداً وتم إخراج 60 شخصاً. كانت هذه نقطة البداية التي انطلقت منها عملية الاستيطان إلى خارج المدينة وإلى داخل المدينة؛ انطلقت إلى خارج المدينة باتجاه خمس حلقات، وإلى داخل المدينة عن طريق بؤر استيطانية، غرفة غرفة، بيتاً بيتاً، مخزناً مخزناً، بحيث وصلت هذه البؤر إلى 75 بؤرة حتى الآن.
هذه البؤر طبعاً تنفرش في محيط البلدة القديمة، في الأحياء الإسلامية والمسيحية، حيث وضعوا أيديهم على عدة محلات في غاية الأهمية. علينا أن لا ننسى أنه في باب الخليل توجد الآن قضية الفنادق وقضية بطريركية الروم الأورثوذوكس والعقار الذي تسرّب إلى المؤسسات الصهيونية، هذا يغلق الواجهة الغربية من مدينة القدس. والآن الإجراءات في المحاكم. وأنا أقول بعد اطلاعي على الأوراق القانونية، أنّ هناك وكالة مفتوحة معطاة من البطريرك السابق إلى موظف كان مسؤولاً وله علاقة بالأملاك والمال في البطريركية. أنا اطلعت على الوكالة المفتوحة، والقضية الآن هي قضية مضايقات ومحاولة الدخول إلى هذه الأماكن من خلال تفكيك حماية حقوق المستأجرين وبالتالي إغلاق هذا المدخل من مداخل القدس.
طبعاً هذه آخر المستجدات، لكن قبل ذلك كانت هناك قضية حي المغاربة التي أغلقت تقريباً الجزء الجنوبي من المدينة، لأنّ هذا كان مدخل أهل سلوان وسكان الجهة الجنوبية من المدينة إلى البلدة القديمة وإلى المسجد الأقصى. وبالتالي هذا الباب الآن أغلق وأصبح فقط للمستوطنين وفقط للسوّاح ومنع الفلسطيني من المرور من هناك. سكان سلوان يجب أن يمروا من المقبرة أو من باب الأسباط أو يأتوا بسياراتهم من باب الزاهرة. فقد أُغلقت هذه الواجهة. هناك أيضاً الكثير من البؤر الاستيطانية، هناك شارعان مهمان في البلدة القديمة هما باب خان الزيت وطريق الواد. مثل البيت الذي اشتراه شارون في الثلث الأول من طريق الواد. هذا بالطبع أغلق طريق الواد الذي يعتبر عنصراً رئيسياً يوصل إلى الحيّ الإسلامي، وكذلك اتصالاته الفرعية توصل إلى الجهة الغربية.
بالنسبة إلى وضع اليد على العقارات في مدينة القدس، من الضروري أن لا نستمع إلى القول بأنّ الفلسطينيين في القدس يبيعون أملاكهم. أستطيع أن أقول من خبرتي وقد مرّت عليّ جميع الحالات، البيوت التي خسرناها كان معظمها نتيجة تلاعبات واحتيال إسرائيلي وتزوير. لديهم قدرة هائلة على التزوير. أنا لا أقول أنه لا يوجد لديهم عملاء عرب ولكن لديهم قدرة غير معقولة على التزوير. طبعاً في بعض الحالات البسيطة كان هناك بعض الأشخاص الذين ورّطوا أهلهم وورطوا عائلاتهم. فبيع البيت يتم نتيجة خطأ صغير، حيث يقوم وريث ببيع غرفة من البيت وإذا دخل اليهود إلى غرفة فهذا يعني أنّهم استولوا على كل الدار، يضايقون السكّان ويعتدون عليهم فيضطرون إلى الهرب من المسكن وتركه لهم. الشيء الآخر المهم هو قضية الحفريات التي بدأت منذ اليوم الأول من الاحتلال، وكانت الحجة أنّ الهدف منها ديني أولاً ثم تعليمي، ومن ثمّ أصبح الهدف منها تشويه الحقيقة والتلاعب بالثقافة وأصبح الآن الهدف منها جني مكاسب مادية بالإضافة إلى تشويه التاريخ. هذه الحفريات التي بدأوا بها في الجهة الجنوبية الغربية بداية من المسجد الأقصى المبارك، جزء داخل السور وجزء خارج السور. ومن ثمّ ساحة البراق، انطلقوا من تحت المباني الموجودة في ساحة البراق إلى أن وصلوا إلى تحت مدرسة الروضة على طريق 'فيا ديلا روزا' (أي طريق الآلام) حوالي 465 متراً طولياً، نفق تدخله من جهة وتخرج منه من الجهة الأخرى. كان السائح في البداية يدخل ويخرج من نفس المدخل ولكن حتى يستفيدوا أكثر من السياحة ويدخلوا أكبر عدد ممكن من الأشخاص فتحوا مخرجاً للنفق. وفي داخل النفق تجد تزويراً كبيراً جداً للتاريخ بشكل لافت يقنع حتى الإنسان الذي يعرف الحقيقة.
هذه الحفريات طبعاً أوجدت الكثير من المباني والتزويرات تحت الأرض، حيث تجد عدة كنس وعدة أشياء وضعوها في مباني إسلامية أموية. إذا خرجت إلى السطح تجد مجموعة من البيوت الموجودة وضعوا أيديهم عليها. مثلاً إذا بدأت من الجنوب إلى الشمال، تجد المدرسة التنكزيّة، هذه مدرسة مملوكية مشهورة كانت المحكمة الشرعية، مع بداية الاحتلال كانت مدرسة الأقصى وهي مدرسة لطلاب الأقصى، طردوا الطلاب منها، والآن هي عبارة عن قيادة حرس الحدود في البلدة القديمة بحجة أنّ هذا الموقع يجب أن لا يكون مع المسلمين لأنه يطل على ساحة البراق، وبالتالي من ناحية أمنية يجب أن لا يكون وجود لطلاب مسلمين هناك. انطلقوا من المدرسة التنكزية ودخلوا باتجاه الشمال فوصلوا المدرسة العثمانية، المطلة على المقبرة.
وأنا حضرت كيف سقطت الأرضية وسقط المسجد. ومن ثمّ دخلنا في صراع مع البلدية. كنت في ذلك الوقت أعمل في الأوقاف، وتمكنا من إجبارهم على تصليحها، ولكن هذا التصليح أخذ فترة طويلة. عاد الناس لها ولم يتركوها بسهولة. هناك جزء منها الآن، جزء من المسجد والجدار، هذا الجزء متصل رأسياً بالنفق. نحن في فترة من الفترات فتحناها، وإذا هم يخرجون من النفق بسلالم، يصلّون في الأعلى على مستوى المسجد الأقصى ومستوى الأروقة وينزلون، وبالتالي النفق صار طابقين، طابقاً تحت الأرض وسلالم يصعدون عليها فيطلّون عى المسجد الأقصى المبارك. وعندما كشفنا هذه السلالم أغلقناها ولكنهم وضعوا حراسة على باب البيت وبقي الوضع على ما هو عليه. وبالتزوير قالوا بأنّ هذه المنطقة خطرة ومنعونا من الاقتراب منها، ولكن في واقع الأمر هم استولوا عليها.
وإذا ما انطلقنا من هذه المدرسة إلى المدرسة الجوهرية ورباط الكرد، رباط الكرد الآن يسمونه بالعبرية 'المركز الصغير' هذا عبارة عن دار الشهابي، دخلوا فيه من خلال الحفريات أسفله، حيث انهدمت أرضيته وتصدّعت البناية. تابعناهم خطوة بخطوة، قاموا بتصليحها من الأعلى وتركوا أرضيته وهو يتحرّك حتى الآن وفي أيّ وقت من الممكن أن يسقط. ب
التأكيد هناك اتصال بين البيت والنفق، لأنّ هناك منطقة مغلقة لا يستطيع أحد الدخول إليها. المنطقة المغلقة هذه توازي نفس المنطقة التي دخلوها في المدرسة العثمانية، ولكن حتى الآن لم يظهروا فيها. ولكن هناك مخزن ملاصق يحاولون وضع اليد عليه ومن المؤكد أنّه متّصل مع النفق الذي تحته. الزاوية الوفائية حصلت فيها تصدّعات، دار البديري، ومن ثمّ نصل المدرسة المنجنيقية التي هي عبارة عن دائرة الأوقاف الإسلامية، الدرج سقط بعدما نزلنا بربع ساعة، وبالتالي تصدّعت العمارة وحتى الآن يوجد فيها شروخ، والنفق الآن يؤدي إلى طريق الآلام من تحت 'مدرسة الروضة'. هذا النفق تسبّب بالكثير من العبث بعقاراتنا وبتاريخنا، والمباني التي تعلوه كلها في خطر. وبالتالي، نحن دائماً نقول أننا لا نريد حفريات ولا نريد أنفاقاً لأننا نخاف على بيوتنا من العبث تحتها. ويسيطرون على الأرض نفسها. الآن يقولون لنا: ما تحت الأرض لنا وما فوق الأرض لكم، وهذا اعتداء على الملكيات.
هذه المعركة طبعاً الآن انتهت على مستوى تحت الأرض. على مستوى ما فوق الأرض، صار هناك مجموعة كُنُس، حتى الكازية يصلّون فيها في الأعياد، المدرسة العثمانية يصلّون فيها ومدرسة الروضة كذلك، وبالتالي كلّ محيط المسجد الأقصى تحت الأرض وفوق الأرض محاصر. مع العلم أنّ كلّ ما هو فوق الأرض مملوكي وأيّوبي وما تحت الأرض معظمه أموي.
هذا كان بداية الاستحواذ على القدس وعلى الممتلكات في القدس. المسجد الأقصى المبارك بدأوا يحاولون الدخول إليه منذ سبعينات القرن العشرين. فبالنسبة للآبار الأموية القديمة كانت متفرقة وتتصل معاً في قنوات صغيرة. في داخل الأقصى يوجد بئر وخارجه يوجد بئر، كشفوا البئر ودخلوا فيه ودخلوا علينا إلى الداخل، فاضطررنا إلى الدخول وإغلاق البئر. يعني الاعتداءات على الأقصى من تحت الأرض كانت كثيرة. كلها اكتشفناها وأغلقناها وتوقفت ولله الحمد ولم يدخلوا إلى الأقصى حتى الآن.
سيطروا على الكثير من المباني فوق الأرض. والآن هناك مجموعة كنس منتشرة في كلّ البلدة القديمة من أجل أن يدعموا ادعاءهم بأنّ هذه المدينة هي توراتية يهودية لأنهم في الواقع لم يجدوا شيئاً لهم. وبالتالي هم أوجدوا كلّ هذه الكنس لإيهام الناس بأنّ لهم تاريخاً في القدس. التراث المسيحي في القدس كبير جدّاً وضخم، والتراث الإسلامي كذلك، حيث يوجد المسجد الأقصى وقبة الصخرة، بينما لا يوجد لهم في القدس ملكيّة ولا آثار ولا ثقافة. طبعاً عزل مدينة القدس عبارة عن خمس حلقات: البلدة القديمة وهي القلب المستهدف وهي الخطوط الحمراء بالنسبة لهم، ولكن يمكن أن يعطونا بعض الخدمات خارجها وهم الآن يحكمون الحصار عليها.
الخطوط الخمسة التي نتحدث عنها هي: حديقة يسمّونها حديقة الاستقلال وهي عبارة عن حديقة الملك داوود، يأتي بعدها مباشرة الدخول في الأحياء الفلسطينية القائمة. في رأس العامود توجد مستوطنة، في سلوان توجد مجموعة مستوطنات متصلة مع بعضها، في بيت صفافا توجد مستوطنات، نصعد إلى الطور حيث توجد مستوطنة، ونصل إلى الشيخ جرّاح بشكل حلقة فنجد فندق 'شبرد' الذي من المعروف أنّ ملكيته تعود إلى دار الحسيني، واستولوا عليه بقانون 'حارس أملاك الغائبين' وهو أحد القوانين التي أوجدوها للسيطرة على الممتلكات.
من ثم ننطلق إلى كَرْم المفتي والحديقة الكبيرة التي تحته والتي كانت لعائلة الحسيني وباعوها إلى شركة الفنادق العربية، وهذه الشركة معروفة ومسجّلة، والآن وضع الاحتلال فيها يهوداً وبدأوا يعبثون بها وزوّروا أوراقاً تدّعي أنهم مستأجرون، وهناك قضايا بين سامي أبو ديّة وإلياس خوري من جهة وبينهم، والأمور تسير باتجاه صعب للغاية ولا أعرف إلى أين سوف تؤدي.
ننزل نحو الأسفل فنجد معركة 28 وحدة سكنية للفلسطينيين، أخرجوا 7 من البيوت ويطاردون الباقي. ثمّ في آخر الشارع استولوا على ثلاثة بيوت وهناك بيت سيُخرجون سكانه منه الآن. لديهم مؤسسات وشركات تعمل بطريقة متكاملة لإفراغ هذه المنطقة من الفلسطينيين. هذا الجزء من الشيخ جرّاح فيه الكثير من القضايا.
بالنسبة لقضية مقبرة مأمن الله بدأوا بها كسوق كبير ثم فندق ثم حديقة ثم موقف سيارات. ونحن نلاحقهم. وبعد ذلك مرّروا المجاري منها والمياه منها. مأمن الله في قلب القدس. وهم غير معنيّين بوجود أيّة شواهد تقول أنّ القدس عربية. ومأمن الله هي جزء من الشواهد العربية ومن الثقافة التي لا يريدونها. الآن المقبرة بقي فيها 20 دونماً من أصل 200 دونم، والآن يريدون بناء ما يسمّى بمتحف التسامح بتبرّع أمريكي بمبلغ 200 مليون دولار من ولاية كاليفورنيا.
ونحن نسعى عبر الوقف والمحاكم الشرعية لإيقافهم. أخّرنا ذلك قليلاً. ولكن الآن الحديث يسير باتجاه نقل القبور الموجودة أو البناء فوقها. والمحكمة العليا الإسرائيلية الآن صادقت على إقامة المتحف. فالقبور تُزال أمّا هم، قبر واحد في طريق رأس العامود أغلقوا لأجله طريقاً، وقبر في القاهرة أغلقوا شارعاً في القاهرة لأجله. نحن مستهدفون والتعامل معنا لا إنساني. هذا حصار المقابر. قبل 300 سنة أقطعهم المسلمون في القدس أرضاً في جبل الزيتون مساحتها ضعف مقابر المسلمين في القدس. المساحة التي أخذوها تعادل ضعف مساحة المسجد الأقصى، في الوقت الذي لم يكن لديهم مكان يدفنون فيه أُعطوا كلّ هذه المساحة، وفي الوقت الذي جاء الاحتلال استولوا على المقبرة الأولى والآن يمنعونا من أن ندفن في الجزء الجنوبي من مقبرة باب الرحمة، مع العلم أنّ القبور موجودة. هذه هي إسرائيل وهذه هي العنصرية وهذا هو التعصّب غير المسبوق الذي يجب أن نكشفه للناس حتى يعرفوه.
* أسامة حلبي:
القرار بخصوص القدس إسرائيلياً هو قرار سياسي والقانون وُظّف منذ البداية كداعم وغطاء للقرار السياسي. بالنسبة للقانون الدولي أنا كتبت وكتب كثيرون حوله ومختصر الموضوع أنّ الاحتلال والضمّ من جانب واحد مرفوض وللمحتلّ الحقّ بالسيطرة على منطقة ما دام هناك خطر داهم ينتج من هذه المنطقة، ولكن عندما يزول هذا الخطر على كيانه وعلى جنوده ينتهي الحق بالاستمرار بالسيطرة على تلك المنطقة المحتلة.
وموقف المجموعة الدولية بدءاً بهيئة الأمم المتحدة والدول جميعها في هذا الصدد واضح: أنّ الاحتلال والضمّ، وخصوصاً الضمّ، هو أمر غير شرعي وغير قانوني. وأكبر مثال على ذلك أنه حتى الآن – ما عدا في مرحلة معينة كان هناك سفارتان- جميع دول العالم الأخرى، بما فيها أمريكا، لم تبنِ سفاراتها في القدس لا الشرقية ولا الغربية. هذا يعني باقتضاب شديد أنّ مسألة القدس جميعها لم تُحسم حتى اليوم، ليس فقط القدس الشرقية، نقاشنا يدور حول ما تبقى لنا من القدس أو ما يسمّى القدس الشرقية التي هي عاصمة الدولة الفلسطينية. ولكن نُذكّر أنّ القدس جميعها كانت لها أحكامها الخاصة منذ قرار التقسيم ولم تُحسم مسألتها حتى الآن.
وأحد المآخذ التي أُخذت على إسرائيل –إسرائيلياً- كنقد داخلي، بخصوص موقفها الأخير من قرار الجمعية العامة بضمّ فلسطين كدولة غير عضو أنها كانت فرصة أمام الإسرائيليين لتأييد ذلك ليتمّ قرار التقسيم. قرار 181 يعترف بقيام دولة يهودية والآن تُقام دولة عربية وتصبح هناك حدود معترف بها، مع بعض التعديلات. يعني هذا ليس سراً ولكن دولة إسرائيل حتى هذه اللحظة ليس لديها حدود معلنة. وأنا أتذكّر في إحدى القضايا التي ترافعت فيها في بيت لحم أنّي ربحت القضية واستعدت حوالي 90% من مجموع الأرض لأنّ البديل كان أن يقوم وزير الخارجية –بيرس آنذاك- بإصدار قرار يحدّد الحدود، وبما أنهم غير معنيين بوضع الحدود، تمت الموافقة على إعادة الأرض إلى أصحابها في منطقة القبو في ال48، على الحدود مع القدس.
إذاً الموقف الدولي واضح خاصة بعد صدور القرار المتعلّق بالجدار في العام 2004 في محكمة العدل الدولية. ولم يتوقف القرار عند الجدار فقط وعدم قانونيته وإنما قيل بأنّ جميع الإجراءات الإسرائيلية غير قانونية وأنّ الاحتلال للمنطقة الفلسطينية من عام 1967 غير قانوني وغير شرعي بما فيها القدس.
إذاً القانون الدولي موقفه واضح. ولكن بالنسبة للقانون الإسرائيلي، وبخصوص القدس الشرقية، نجد أنّ الحكومة الإسرائيلية تدعم الإجراءات المتخذة سياسياً وقانونياً مثلما حصل بالنسبة إلى احتلال القدس الذي جرى في 07/06/1967 وتمّت السيطرة وأُقيمت القيادة في فندق الإمباسادور.
في 11/06/1967 صدر قرار حكومي بتأييد الضم وشُكّلت لجنة وزارية لذلك في 12/06. وفي 27/06 من نفس العام صدر قانونان: قانون بتعديل قانون البلديات الإسرائيلي وقانون آخر يُعدّل قانوناً يُسمّى أنظمة السلطة والقضاء الذي يعني أنه بموجبه عملياً أصبح القضاء والإدارة والقانون الإسرائيلي جميعه يسري على ما جرى ضمه أو المنطقة الجديدة التي يُراد ضمها. من جهة أخرى، عُدّل قانون البلدية حتى تُمنح البلدية في القدس الغربية صلاحية إعطاء الخدمات للجانب الشرقي أو المنطقة الجديدة.
إذاً هذان القانونان شكّلا القاعدة للقرار السياسي للضمّ. فجرى إصدار أمر يقول أنّ جميع المنطقة التي نعرفها اليوم والتي كانت مساحتها 6 كم2 في زمن الحكم الأردني أصبحت أكثر من 72 كم2 بقليل، وهذه المنطقة جميعها التي ضُمّت هي أيضاً من مناطق الضفة الغربية الأخرى وبالتالي أصبح هناك قرار بضم منطقة واسعة جداً تحت الإدارة والقضاء والقانون الإسرائيلي حتى تستطيع الإدارة الجديدة تفعيل صلاحياتها، جرى تعديل قانون البلديات وسُمح للبلدية في القدس الغربية أيضاً أن تصبح بلدية في الجانب الشرقي.
هنالك قانون آخر جرى سنّه في نفس اليوم في 27/06/1967 هو قانون المحافظة على الأماكن المقدّسة، والمداولات كانت لمدة ثلاث ساعات فقط، خلال ثلاث ساعات كانت مشاريع القوانين الثلاثة قد أصبحت قوانين. وهذا إجراء سريع جدّاً، فمن الواضح أنه كان هناك تخطيط مسبق لذلك، وأستطيع القول أنّ احتلال الضفة الغربية أيضاً كان مبرمجاً له، ورئيس المحكمة العليا في حينه والذي كان مستشاراً قضائياً في حينه للاحتلال هو عملياً الذي أسس لكلّ ما نعرفه حالياً عن البنية التي كانت قائمة أي كيف تتم السيطرة وكيف يكون الحكم أي فصل القدس الشرقية وضمها إلى إسرائيل. وأريد أن أوضّح أنّ القوانين الإسرائيلية جميعها منذ العام 1967 أصبحت سارية المفعول مثل قوانين المصادرات وقانون أملاك الغائبين جميعها، كما هي، نقلت مع التجربة التي تمّت في مناطق الـ1948 وطُبّقت في القدس. إذاً القانون الثالث الذي سنّوه في نفس اليوم هو قانون 'المحافظة على الأماكن المقدّسة' 'كلّ إنسان له الحق بممارسة شرائعه الدينية والذي يمنعه من قيامه بهذا الحق قد يُسجن.' أريد التذكير بشيء واحد، أذكر من تجربتي كمحامٍ أنه في السنوات الأخيرة، كلّما حدث شيء له أبعاد أمنية خارج القدس يتم تحديد أعمار الناس المسموح لهم بالدخول إلى البلدة القديمة في القدس وممارسة شعائر الصلاة ما أجبر الناس على الركوع والصلاة في الشارع العام وعند الحواجز.
أنا أطرح هذه المفارقة للتفكير. من جهة لدينا قانون للمحافظة على الحرية الدينية ولكن ما حصل في الواقع لا يؤشّر إلى حقيقة احترام ممارسة جميع الطوائف لشعائرها الدينية. وبالتالي وُضعت قاعدة قانونية مصاحبة ومولّفة للقرار السياسي. وهذا عملياً استمر حتى اليوم، يعني كلّ ما ذُكر قبلي وما سيذكره من بعدي في المداخلات، وما نراه من مظاهر، كلها تتم بموجب القانون.
وقد 'جندت' الحكومة الإسرائيلية قوانين 'مصادرة واستملاك الأراضي' على أنواعها في حملة واسعة لمصادرة الأرض الفلسطينية من أصحابها، استمرت بكثافة ملفتة للنظر في الفترة الممتدة بين 1968 و 1970.
وتبع حملة المصادرة هذه زخم استيطاني إسرائيلي يعكسه اليوم وجود مستوطنات يهودية عديدة تنتشر في المنطقة التي احتلت من 'نفيه يعكوف' و'بسغات زئيف' في الشمال والشمال الشرقي وحتى 'جيلو' و'هار حوماه' في الجنوب والجنوب الشرقي'. وتمت في الفترة المذكورة مصادرة ما لا يقل عن 16,000 دونم من الأراضي الفلسطينية في المنطقة المحتلة، بنيت فوقها المستوطنات المذكورة التي يشار عليها اليوم ب'الحارات اليهودية' عندما يقال في أحد الحلول المقترحة لمسألة القدس 'الحارات العربية للفلسطينيين والحارات اليهودية للإسرائيليين. و في إحدى المرات طُرحت مبادلة حارات يهودية بحارات عربية: شعفاط وبيت حنينا وحيّين في القدس القديمة –الحي الإسلامي والحي المسيحي- للفلسطينيين، مقابل أن يبقى الحي الأرمني مع إسرائيل، والحواري اليهودية التي أصبح عددها حوالي 11 حارة والحوض المقدّس الذي تحدثنا عنه سابقاً.
جميع الحارات اليهودية أو المستوطنات التي بنيت في عام 1970 وما بعد ذلك مثل راموت وهارغيلو وتلبيوت مزراح أي تلبيوت الشرقية، كان الهدف الأساسي منها السيطرة الجغرافية قانوناً وضمان التفوّق الديمغرافي من جهة أخرى.
الجغرافيا والديمغرافيا هما خطّان متوازيان في السياسية الإسرائيلية أحياناً يلتقيان، ولكن بشكل عام، هنالك هدفان ثانويان تحت الصياغة الإسرائيلية المرجوة وهما السيطرة وبناء المستوطنات من جهة وتضييق الحصار أو الحيز الجغرافي للفلسطينيين حتى يرحلوا ومنع إعطاء فلسطينيين جدد الحق في الدخول من جهة أخرى. فتكون المحصلة قلة العدد الفلسطيني وزيادة العدد اليهودي ديمغرافياً والسيطرة جغرافياً. أي أنّ هناك تكاملاً بين البعدين الديمغرافي والجغرافي، لذلك جميع الحارات التي نراها صُودرت بموجب قانون إسرائيلي، وللدقّة هو قانون انتدابي، قانون استملاك الأراضي للمنفعة العامة الصادر عام 1943.
إسرائيل حافظت على عدد من القوانين الانتدابية التي تخدم الهدف السياسي المرجو. فحوالي 24 ألف دونم تمت السيطرة عليها في عام 1970 بنيت عليها حارات التلة الفرنسية وتلبيوت وغيرها... في عام 1980 كانت هناك موجة أخرى من مصادرة الأراضي في شعفاط وبيت حنينا وقرى أخرى وبُنيت عليها بزجات زئيف، وهناك طبعاً موجات أخرى في سنوات التسعين مثل بناء هارحوما (جبل أبو غنيم) الذي فيه جزء فلسطيني ومجموعة قليلة منه يهودية. وهذا أحياناً يحصل بحيث يُستملك جزء صغير يهودي ومن ثمّ يستملك حوله أضعاف أضعافه وهذا ما حصل في هارحوما، الممتلكات كانت قليلة جداً في البداية والملكية كانت عربية بالأغلب. فبالتالي القانون يُوظّف للسيطرة على الأرض ويُوظف القانون أيضاً لتقليل عدد السكان.
ومع بداية الثمانينات من القرن الماضي، تم تجنيد المشرع الإسرائيلي في معركة إسرائيل الإعلامية لتثبيت سيادتها على القدس من وجهة نظرها فسن الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 30-7-1980 قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل[1]. وأكد هذا القانون في مادته الأولى على أن 'القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل'.
وفرضت المادة الرابعة من القانون على الحكومة الإسرائيلية واجب المواظبة على تطوير القدس ورفاهية سكانها من خلال تخصيص موارد مادية خاصة تشمل منحة سنوية لبلدية القدس تعرف ب'منحة العاصمة' تمنح بمصادقة لجنة المالية في الكنيست. كما نصت هذه المادة على واجب الحكومة تشكيل هيئة أو هيئات لتنفيذ ما ورد فيها. وقد شكلت الحكومة لجنة حكومية خاصة تعنى بشؤون القدس.
بعد احتلال القدس، إسرائيل لم تسحب قرارها بالضم بإعطاء السكان المواطنة. أهل القدس لم يصبحوا مواطنين بقرار سياسي، بل أصبحوا مقيمين دائمين تحت النظام السياسي الجديد. بقوا يحملون المواطنة الأردنية المؤقتة وغير المؤقتة وإقامة إسرائيلية؛ الإقامة الإسرائيلية بواسطة هويات إسرائيلية صادرة بموجب قانون إسرائيلي، ولكنها أمر أساس في البقاء. فبالتالي يخسر الفلسطيني إقامته بعدة طرق حددها قانون الدخول إلى إسرائيل والأنظمة الصادرة بموجبه في عام 1974.
هنالك ثلاث حالات أساسية يفقد بموجبها المقدسي إقامته –وهذه ليست قائمة مغلقة-، والثلاث حالات الأساسية هي: إذا خرج المقدسي من البلاد لمدة سبع سنوات أو إذا حصل على جواز سفر أجنبي أو إذا حصل على إقامة دائمة في دولة أخرى. وفي العام 1996 بدأت موجة مصادرات جديدة كانت نتيجتها مصادرة حق الإقامة من 15 ألف إنسان، وكان هناك دور كبير للمرحوم فيصل الحسيني ولبيت الشرق وغيره من المؤسسات في محاولة التصدي لذلك. الذي حصل في حينه أنه كانت تتم مصادرة الإقامة من الوالدة إذا كانت متزوجة من أردني مثلاً، وكذلك كانوا يسقطون الإقامة عن أطفالها الذين لا يحملون أرقاماً إسرائيلية نتيجة تحايل عند الولادة حيث كان هناك عدد من الأطفال كتبت أسماؤهم في هويات أمهاتهم بخط اليد وسجلوا في بطاقات الخروج كمرافقين فقط وهذا يعني أنه لم يتم تسجيلهم إسرائيلياً.
مثال على ما حصل في موجة عام 1996: جاء مقدسي لتجديد هويته فقالوا له أنت هويتك سقطت لأنك تعمل في مصنع في الأردن وتأتي للزيارة في الصيف. إذاً أصبح قانون الـ7 سنوات، التي كنا نعتقد أنها تعني 7 سنوات متواصلة خارج البلد، يعني أنها 7 سنوات متقطعة حتى لو جاء الشخص للزيارة لشهر أو عدة أشهر. إذاً حتى يحافظ المقدسي على حق الاقامة يقترح عليه أنه يجب أن يبقى في القدس 6 أشهر ويسافر 6 أشهر وهكذا حتى يثبت أنه موجود ولديه بيت في القدس وعمل.
المحكمة العليا الإسرائيلية تقدم بدورها غطاءً قانونياً للقرار السياسي بضم القدس وليس فقط قوانين الكنيست. المحكمة العليا في قضية مبارك عوض عام 1988م أصدرت قراراً بأن من خرج إلى أمريكا وتجنس هناك وتزوج هناك ثم عاد إلى هنا بواسطة جواز سفر أمريكي هو يأتي كزائر غريب، وهنا تم الدمج بين النشاط السياسي -غير المرغوب للدكتور مبارك عوض المتخصص في اللاعنف- والأداة القانونية التي تقول أن من تجنس في دولة أخرى فَقَدَ حق الاقامة ثم سجنه وطرده. والمحكمة العليا أقرت بصحة الموقف القانوني الإسرائيلي وقالت أن القدس الشرقية أصبحت عملياً جزءاً من إسرائيل بمفهوم أن جميع القوانين أصبحت سارية المفعول مع العلم أن المحامين قالوا: هذه منطقة محتلة أنتم دخلتم عليهم وليسوا هم من دخلوا عليكم لأن الدخول إلى إسرائيل هو الذي يحكم وضعية المقادسة وأهل الجولان، بينما قانون الجنسيات يحكم موضوع المواطنة ولا يسري عليهم. فحاول المحامي الطعن في القرار بحجة ما يقارب المواطنة ولكن الطعونات جميعها رفضت وأصبحت القضية وكأن كل مقدسي يحمل في جيبه الإقامة يفقد هذه البطاقة أو هذا الحق لمجرد الوقوع في هذه الحالات الثلاث دون حاجة لقرار إضافي يقول بذلك.
وهذا يذكرني بقانون أملاك الغائبين الذي نفذ في القدس ضد مقدسيين والآن يُفعّل ضد الفلسطينيين من سكان المناطق المحيطة بالقدس في الضفة الغربية تجاه أملاكهم الواقعة داخل القدس، كما وسعت عام 1967م وهم يعتبرون غائبين بالنسبة لأراضيهم. وقانون أملاك الغائبين يقول أنه لا حاجة لإعلان خاص بأن الشخص غائب عن أملاكه، يكفي أن تتوفر فيه شروط الغياب في الزمن ذي العلاقة. يعني إذا كان في حزيران (يونيو) سنة 1967م بعد ضم القدس، أهل القدس ليسوا غائبين ولكن أهل بيت جالا مثلا وأهل رام الله والبيرة أصبحوا غائبين بالنسبة لأملاكهم في القدس فتمت مصادرتها بناء على هذا الأساس.
إذاً باختصار القانون الإسرائيلي وظف بداية كغطاء للقرار السياسي ومكّن الإسرائيليين من وضع اليد والسيطرة على الأرض من جهة ومن جهة أخرى تحديد عدد الفلسطينيين وتحجيم حيزهم بحيث إما أن يتركوا البلد أو يحدد حق الناس الجدد القادمين بحيث يبقى حق العودة محدداً لليهود فقط. بموجب قانون العودة لعام 1950م ولا ينطبق حق العودة على الفلسطينيين تجاه بلادهم التي كانوا ساكنين فيها.
* يوسف النتشة:
حين يتحدث الإنسان عن تراثه أو عن تاريخه يعتصره الألم لأن تاريخه يصادر ويسلب. أنا سأحاول عرض الصورة في نقطتين:
1- مدينة القدس وتاريخها ومميزاتها بشكل سريع وبسيط.
2- موضوع الحفريات والأنفاق والاعتداء على المشهد المعماري والنسيج المعماري، وذلك لوضع قراء مجلة 'شؤون فلسطينية' وخاصة الذين يعيشون في الخارج في صورة الوضع.
أريد أن أميّز للقراء ثلاثة أمور: نحن حين نتحدث عن القدس نتحدث عن ثلاثة مكونات 1- نواة القدس التاريخية وهي البلدة القديمة وهي بلدة سلوان التي فيها أثار تعود للعصر البرونزي والعام 1200 قبل قدوم ما يعرف بالهجرة الإسرائيلية أو ما نطلق عليه نحن داوود وسليمان سواء بمفهوم ديني أم دنيوي. 2- البلدة القديمة للقدس. 3- ما يحيط بالقدس من مدينة توسعت.
إسكات التاريخ الفلسطيني لم يبدأ بالقضية الصهيونية ولم يبدأ من هرتسل ولم يبدأ في العام 1967م. الإسكات بدأ من تاريخ قديم جداً بطريقة التعاطي مع الحفريات الأثرية في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص. بدأت القضية سنة 1865م بصندوق استكشاف فلسطين وتوجهاته المعروفة باثبات الأدلة التوراتية بأسلوب علمي. أنا لست ضد العلم لكن ضد التجني على العلم أو ضد تطويع العلم لخدمة قوالب مسبقة. لذلك أنا كمهتم بالآثار لا أعتقد أن الحفريات الإسرائيلية بدأت عندنا في 1967م، وإنما أعتقد أنها تعمقت في بداية الانتداب البريطاني وفي الفترة العثمانية. المشكلة في الحفريات ليس فقط أنها ضد القانون الدولي وغير شرعية وغير مقبولة ولكن أيضا في طريقة عرض هذه الحفريات وطريقة تطويع المعلومة لخدمة هدف سياسي ولخدمة فئة بسيطة جداً من نسيج فلسطين التاريخي ونسيجها الأثري الكبير جداً.
أنا كشخص لا أنكر وجود اليهود في فلسطين. ولكن تراثهم يشكل جزئية بسيطة من نسيج كبير جداً ممتد. ففي هذا الموضوع تم إسكات التاريخ .
من حيث الحفريات نستطيع أن نقول أنها علم سياسي بجدارة. وفي الحفريات وعلم الآثار نجد كما هو الحال في أي مجال آخر يتعلق بالدولة أو السلطة الإسرائيلية هناك موضوع تكاملي. كل الأجهزة تخدم بعضها البعض.
فإذا كان لدينا مشروع بسيط جداً مثل مشروع المطاهر أو المغاطس في جنوب المسجد الأقصى، نجد وزارة السياحة وشركة تطوير القدس الشرقية ودائرة الآثار وجمعية 'إلعاد' وأطرافاً أخرى، كلها توزع الأدوار فيما بينها، وفي تهيئة الدليل السياحي لخدمة هذا الموضوع على عكس الصورة الفلسطينية، مع الأسف، حينما نجدها أحياناً ليس كما نتمناها وليست بالتنسيق المطلوب.
الآثار كعلم شبيهة بإنسان يقرأ كتاباً وكلما يقرأ صفحة يحرقها. أنت حينما تحفر في موقع أنت تملك الدليل في اللحظة التي تبدأ الحفر فيها وتصيب نتائجك، لا يستطيع أي إنسان بعدك أن يعيد هذا الموقع إلى سابق عهده. فهي فرصة وحيدة لهم، إذاً كان هذا الأمر مرتبطاً بصراع سياسي وبصراع فكري يصبح التجني على علم الآثار واضحاً جداً، وواضحٌ جداً أيضاً أنّ أغلب العلماء الذين كرسوا دعائم ما يعرف بـ'علم الآثار'، لأنه علم ظني وفيه مجال كبير للاجتهادات حسب اعتقادي، جاءوا إلينا بقوالب سابقة التجهيز. معول بيد يحفر وتوراة باليد الأخرى، يريدون إيجاد نتائج ما كتب في هذه التوراة وتطويعها.
فإسكات التاريخ الفلسطيني ليس حديثاً يتعلق بالقضية الفلسطينية والاستيطان الصهيوني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وإنما بدأ قديماً جداً حسب الدراسات في هذا الموضوع.
لمحات أو ومضات فيما يتعلق بالآثار:-
المشكلة الأساسية في الآثار هي عسكرة الحفريات. من أرسى دعائم علم الآثار في إسرائيل هو 'إيجال يادين'، الذي كان نائب رئيس وزراء ونائب رئيس أركان حرب إسرائيل. من تولى دائرة الآثار حديثاً بعد الـ1967م كان 'أمين دروري' وكان جنرالاً في منطقة الشمال. من يتولى اليوم دائرة الآثار هو 'شوكود ولفمان' وهو خريج مدرسة عسكرية. ومن يقود جمعية 'إلعاد' التي تعني: 'إلى مدينة داوود'، وهي جمعية استيطانية، تدعم ميزانية دائرة الآثار الإسرائيلية بالملايين كان من المستعربين. إذاً لدينا فريق من الأكاديميين، وأنا لا أنكر ذلك، ولكن السيطرة الفكرية الموجهة التي تقود علم الآثار هي العسكرة ومصادرة الآثار لخدمة السياسة ولخدمة مجموعة معينة. لا أجد هذه العسكرة في مناطق أخرى في العالم بهذا الشكل.
في مواضيع أخرى نجد أن الآثار تلعب دوراً كبيراً جداً في الفكر الصهيوني والفكر الإسرائيلي. لنأخذ رموز الدولة، ختم الدولة، كلها تتبع الآثار. وزارة السياحة شعارها توراتي. كل شيئ ينبع من ذلك. هناك مقولة يحاول كثير من الإسرائيليين تسويقها لزعمائهم 'نحن لسنا بقادمين وإنما عائدون' وكأن التراث مرتبط معهم سواء أغابوا أم لم يغيبوا. أنا كأكاديمي فلسطيني تربكني طريقة التعامل مع الآثار الفلسطينية من ناحية أكاديمية وليس سياسياً، في حين تجد المنهج الإسرائيلي منهجاً محكماً مع الأسف الشديد، يدسون السم في العسل ويبدأ من مسميات ومقولات تترك آثار روحانية عميقة في السائح الغربي وفي الفكر الغربي أيضاً خاصة البروتستنتي أو ما يطلَق عليه الصهيوني الأمريكي ويستغلونهم.
إذا أخذنا جولة صغيرة جداً في القدس أو خارجها نجد المسميات أغلبها مسميات توراتية مرتبطة بالشخصيات الإسرائيلية. وليس هذا فقط، نجد كثيراً أنه لا توجد علاقة للمسمى مع الموقع ولا توجد عملية اتصال حضاري معه.
في منطقة أريحا مثلاً نجد منطقة 'جلجال' وهي ترتبط بشعب النور، ولكن من الذي يثبت أو يدلّل على أنّ هذا الموقع هو ذاته الذي أشارت إليه التوراة في ذلك الوقت؟ مسميات كثيرة في البلدة القديمة في كلّ زقاق تضعنا أمام لغة جديدة في المنهج الأثري أو منهج المشهد. تذهب إلى منطقة قريبة في الحرم معروفة باسم باب الحديد، تجد لافتة عليها الاسم بالعربية وبالانجليزية وبالعبرية كذلك. ولكن أن نجد باب الحديد مكتوبة بلغة رابعة وهي كتابة الاسم العبري بالأحرف العربية فهذا أمر جديد.
وبالتالي هناك عملية إسقاط للغة العبرية بمسمياتها على الأماكن العربية وسلخها من ثقافتها العربية. ندخل النفق فنجد قاعة أيوبية لا يسمّيها الإسرائيلي أنها قاعة أيوبية بل يقول عنها أنها قاعة من العصور الوسطى. وإذا ما وجدنا ناقوساً أو قنطرة جميلة جداً أموية أو من العصور الإسلامية فيقول الدليل الإسرائيلي: مثل هذه القنطرة وُجدت في المعبد الأول. هو لا يعطيك تاريخها وبالتالي هو يشتّتك ويهمشك ويطمس تاريخك وينقلك إلى فكر آخر. وهناك حجر ضخم في داخل النفق وزنه حوالي 450 طن يذكرون أنه من بقايا الهيكل، لكن طبعاً هذا لا يعود إلى تلك الفترة. ونحن للأسف نجد أنفسنا أمام مجموعة كبيرة من الشباب الإسرائيلي الأمريكي الصهيوني أعمارهم بين 14 – 16 سنة يزورون البلدة القديمة ولا يعرفون إلاّ حارة اليهود وحائط البراق. كنيسة القيامة لا يعرفونها، الجامع الأقصى لا يعرفونه، خان الزيت لا يعرفونه، وبالتالي نحن أمام منهجية منظمة متكاملة.
وأنا أتحدى أنه في أيّ مقال نُشر عنهم في آخر 10 سنوات عن اكتشاف أثري مثلاً أن لا تجد في الصفحة الواحدة ما لا يقلّ عن 7 أو 8 ترجيحات على الأقل. وبعد أسبوع أو أسبوعين يصبح هذا الخبر حقيقة تتداول في لغة التواصل اليومي. وعندنا مسوّقون للأسف يعتبرون الآثار عملاً مربحاً مادياً فقط.
هناك تمسّك كبير جداً بمسميات لا يطلقها إلا الإسرائيليون مثل المعبد الأوّل. لا يوجد في العالم أجمع فترة تاريخية ارتبطت بمعبد. لا نجد ذلك في مصر مثلاً أو في الإنكا أو أي حضارة أخرى.
من باب الأكاديمية أستطيع القول أنه لا يوجد في البلدة القديمة نسيج معماري يمكن أن يكون مرتبطاً بفترة تاريخية إسرائيلية أو يهودية. فحتى يخلقوا هذا النسيج المعماري أو المشهد هم يتوجّهون إلى الأنفاق. ولا يوجد دليل واضح على ارتباط الأنفاق بشخصيات إسرائيلية كما يقولون أو يدّعون. ارتباط الآثار بجمعية 'إلعاد' اليمينية في سلوان وأذرعها التي تدعم وزارة الآثار بنصف ميزانيتها يوفر للوزارة متبرعين كثيرين.
إذاً نحن أمام إطلاق مسميات توراتية وخرائط ومسوحات جغرافية وأشكال جميلة جداً وإخراج من الدرجة الأولى. فحارة الشرف أو ما يُعرف اليوم بالحي اليهودي، على صغر مساحته، فيه على الأقل 22 متحفاً ومركزاً جماهيرياً. نحن أمام عملية غسيل دماغ. يعني عند الحديث على ما أسميته 'المعبد الرقمي' مثلاً، نجد أنهم يستخدمون كمبيوتراً تفوق قوته قوة الكمبيوتر الشخصي بـ300 ضعف، وبالتالي يستطيعون بسهولة التأثير في السائح الذي غالباً ما يكون سائحاً بسيطاً لا يملك الكثير من المعلومات وهو قادم للبحث عن التسلية وإمضاء وقت جميل.
وبالتالي صراعنا الحقيقي في الآثار وفي الاستيطان وفي القانون هو صراع فكري بالدرجة الأولى وصراع إمكانيات. كمثال فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، في يوم من الأيام سأل صحفي 'حاخام'، وهو رجل دين مسؤول عنهم في منطقة حائط البراق: متى تريدون بناء الهيكل الثالث؟ فأجابه: نريد أن نبقي الهيكل الثالث في عقول الناس أولاً.
في المقابل، عندما نتحدث عن مدينة القدس كعرب ومسلمين، نعتز قبل 1400 سنة في عام 638 ميلادي، لم يهدم المسلمون أي مبنى. وأحياناً يسألنا البعض: لماذا بنى المسلمون قبة الصخرة مكان المعبد؟ لماذا لم يبنوها في مكان آخر؟ طبعاً نحن نجيبهم بهدوء بأن هذه المنطقة أولاً هي مقدسة للمسلمين، وهي قداسة ربانية كما يعتقد المسلمون، والمسلمون أخذوا المدينة عن طريق عهدة عمرية على عكس أغلب الفاتحين، أنيتوخس، تيتوس، الغزو الفارسي، كله حصل خلاله تدمير وحصل إحلال سكاني. بينما في الإسلام، عندما أرادوا أن يبنوا قبة الصخرة وجدوا هذه المنطقة الوحيدة المهملة في القدس وحسب الدراسات لم يكن فيها أي مشروع معماري ذي مغزى منذ سنة 70 وحتى سنة 638. فالمنطقة كانت مهملة منذ خمسة قرون ونصف، تم اصلاحها من قبل المسلمين.
تاريخنا في مدينة القدس لا يبدأ في سنة 638، حتى من ناحية دينية، سُئل الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا في صحيح البخاري، أي المساجد أقدم؟ قال هذا (مكة). قال وأيها بعده؟ قال المسجد الأقصى، قال كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. إذاً بالمفهوم الديني الإسلامي يوجد ارتباط بين المسجد الأقصى في المرحلة الأولى القديمة الذي لا نعرف تراثه المعماري اليوم وبين مكة. ثم إن الأقصى الذي نجده في وقتنا الحالي يعود إلى الفترة الرومانية في بعض أساساته التي نستخدم بعضها ثم ارتبط بنائه بعمر بن الخطاب وعبد الملك بن مروان والأسر الإسلامية التي جاءت بعد ذلك. نحن تاريخنا في فلسطين وتراثنا وامتدادنا العربي لا يبدأ بالفتح العربي الإسلامي، ولكن الهجوم الصهيوني على الفترة التي سبقت الإسلام كبيرة لأن الفترة الإسلامية تركت لنا شواهد وعمارةً وتراثاً وثقافة.
المسجد الأقصى هو ما يعرف بالمساحة التي تبلغ 144 دونماً، وهو يمثل حوالي 6/1 البلدة القديمة، يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من البلدة القديمة ويضم قبة الصخرة والجامع الأقصى، وليس المسجد، لأن الجامع هو مكان إقامة صلاة الجمعة، وفيه مجموعة كبيرة من القباب والأسبلة والزوايا والمدارس بالإضافة إلى الأروقة والمصاطب المفتوحة. المسجد الأقصى فيه 3 مستويات: الجامع الأقصى هو الأول، ثم قبة الصخرة وهي أقدم أثر إسلامي قائم، ولكن قبل قبة الصخرة بني الجامع الأقصى في زمن عمر بن الخطاب، بشهادة الرحالة الأوروبي 'أركولوف' حينما وقف على جبل الزيتون وقال لقد بنى المسلمون مسجداً في منطقة المعبد حسب مفهومه ويتسع إلى ثلاثة آلاف مصلٍ، ولكن قبة الصخرة هي أقدم أثر إسلامي باق حتى الآن، وقيمتها تنبع من جماليتها ومن قيمتها المعمارية، ونحن اليوم محظوظون أننا نرى قبة الصخرة كما بناها عبد الملك بن مروان، دون زيادة أو نقصان، لا في المساحة ولا في التخطيط المعماري ولا في العناصر الزخرفية. هناك فقط بعض الترميم الذي قال عنه العلماء أنه أصاب الملابس ولم يصل إلى الجلد.
الهجمة كبيرة جداً على الآثار. فأذرع الآثار تتعاون مع قانون الحدائق القومية وكأنّ قانون الآثار استُنفد فأصبح يُطبّق علينا قانون الحدائق القومية الذي لا تقلّ قوته عن جبروت قانون الآثار. ورغم ذلك أنا مازلت متفائلاً وأعتقد أنّ الرواية الإسرائيلية للآثار في القدس أو في فلسطين ليست رواية مقبولة عالمياً. يعني عندما نتحدث اليوم عن الحضارة المصرية أو عن الحضارة اليونانية نجد إجماعاً عالمياً على تراث هذه الحضارة دون خلاف كبير جداً.
لكن أنا أعتقد أنّ الرواية الإسرائيلية للآثار الفلسطينية هي رواية استعمارية ستزول بزوال القوة السياسية التي تدعمها وسيأتي اليوم الذي سيقف فيه علماء الآثار ليُعيدوا النظر في النظريات التي ظهرت وفي القوالب التي وُضعت. لكن حتى نصل إلى هذا في الحقيقة الوضع قاتم جداً وأنا أعتقد مع الأسف أنّ تعاملنا كفلسطينيين وكعرب مع الآثار ومع التراث لم يرقَ إلى تقدير تراثنا حتى نستطيع تقدير تراث الآخرين. ولكن أتمنى أن نتجاوز ذلك.
البلدة القديمة اليوم كما نراها هي قريبة من نواة البلدة اليبوسية. وهي نتاج لتراث معماري وتطوّر بدأ منذ الفترة الرومانية. ملامح المدينة واضحة جداً، استمرت في الفترة البيزنطية ومن ثم في الفترة العربية الإسلامية. شكل المدينة عربي إسلامي وتخطيطها روماني يوناني.
هذا جمال القدس التي تستوعب الحضارات وتستوعب الطرز المعمارية وتصبغها بشخصيتها وبروحانيتها بحيث الإنسان عندما يتحوّل فيها تراث الديانات السماوية الثلاثة في الارتباط وفي التمسّك وفي الحج وفي الزيارة رغم التاريخ المتناقض والتاريخ الناقص الذي نراه في هذه المدينة في أيامنا هذه.
في الآثار عندنا أربعة مواقع مهدّدة، وأتمنى أن تكون عندنا رؤية هادئة للتصدّي لذلك. أخشى على منطقة رباط الكرد، وهي منطقة حساسة جداً لا يفصلها عن الحرم سوى الجدار، أصبحت هدفاً للصلاة الإسرائيلية، وأخشى أنهم سيوسّعون هذه الساحة وستصبح مصلىً آخر.
المنطقة الثانية هي برج اللقلق وأنا أعتقد أنّ العمارات الثلاث أصبحت جاهزة فيه وأنّ الآثار قاموا بحفرياتهم وأنهوها والآن فقط بانتظار إقرار البلدية. وأخطر ما في الأمر هو ارتباط باب المغاربة مع ما يهيَّأ من برامج معروضة على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ سنتين لإعادة تشكيل ساحة حائط البراق بمشروع رهيب جداً من متاحف ومواقف وعمل تسوية بحيث تمتد هذه الساحة الصغيرة من المدخل إلى النفق إلى خارج باب المغاربة في مستوى واحد، والمستوى الثاني يكون الأنفاق تحت الأرض. وما أخشاه هو أن تمتد الأنفاق في سلوان وخاصة نفق عين سلوان مع منطقة مدرسة الوكالة مع الشارع الذي يصل إلى المصلى المرواني. الرؤية مزعجة ولكن يجب أن نفكر في حلول لوقف هذه المخططات. وكلّنا نتذكّر كذلك المشروع الإسرائيلي لربط جبل الزيتون مع البلدة القديمة من خلال تلفريك.
* سامي مسلّم:
يذكرني حديثك الآن إلى موضوع السياحة. وهو ما لم يتم تناوله في هذه الندوة. يجب أن نتوقف عند رواية الرواية التوراتية. يجب أن تكون هناك رواية فلسطينية للأماكن المقدسة في فلسطين ولآثارها وتراثها الحضاري وعمارتها النفيسة. واعتقد أنه من المهم التعرض إلى ذلك الآن ولو بشكل قصير.
* يوسف النتشة:
أنا دليل سياحي خرّيج المدرسة الإسرائيلية عام 1992 عندما كانوا يقبلون طالباً عربياً مسلماً وطالباً عربياً مسيحياً لكي يقولوا أنهم يأخذون طلاباً عرباً. وقد أرّقني تعاملهم مع الآثار لكثرة ما أسمعه من خزعبلات وقصص مضحكة أحياناً. ففي إحدى المرات سأل سيّاح دليلاً إسرائيلياً لمن يعود هذا التمثال؟ -وكان تمثالاً لمريم العذراء- فقال لهم أنه لغولدا مائير والكلّ صفّق له.
هناك كتاب كتبته بفضل الله في هذا الصدد أتمنى أن يصل إلى أيديكم اسمه 'مسارات وجولات من السياحة الرديفة في مدينة القدس. 'طرحت 12 مساراً دون أن أواجه الإسرائيلي. نحن بحاجة إلى جهد كبير في الحقيقة. ومع الأسف الشديد حتى الدليل الفلسطيني يواجه مشاكل كثيرة جداً حيث أنه إذا أخذ مجموعة من السيّاح إلى المسجد الأقصى وقال لهم مصطلح 'المسجد الأقصى' ثلاثة مرات يتعرّض للمساءلة.
* عدنان الحسيني:
ونحن نصلح المصلّى المرواني في سنة 1995. إسرائيل طبعاً لم تكن راضية عن الترميم وكانت تفكّر في فتح المصلّى المرواني من الجهة الجنوبية ليصبح بالتالي نواة للهيكل. وأثناء الترميم كان هناك مكان اسمه 'مهد عيسى'، وكانت الشرطة والمخابرات الإسرائيلية موجودة في المكان. بعد حوالي ثلاثة أيام نُشر في 'جروسالم بوست' خبر عن أنّ الأوقاف الإسلاميّة تدمّر آثاراً مسيحية في جبل الهيكل. هذه الجملة فيها فتنة طائفية، وكأنّ المسلمين ليس لهم أيّ شيء في المصلّى المرواني بحيث أنّ الآثار مسيحية والموقع هو جبل الهيكل الخاص باليهود والمسلمون فقط دمّروا. وبالتالي يجب أن يكون لدينا وعي للتعامل مع الكلمة والحرف معهم.
* أحمد الرويضي:
القانون الإسرائيلي هو سند سياسي لا يُستخدم إلاّ لغرض تنفيذ المخطط الإسرائيلي. وبالتالي أنا أذكر الحادثة الأخيرة في قرية 'باب الشمس' حيث أنّ نتنياهو استصدر قراراً بعد الساعة الثانية عشر ليلاً من قاضٍ بإخلاء القرية وهو ما يتناقض مع قرار محكمة العدل العليا بهذا الشأن وبالتالي هو استخدم القرار والقانون الإسرائيلي من أجل تنفيذ برنامجه.
إنّ فلسفة الاستيطان الإسرائيلي في القدس تختلف عنها في الضفة الغربية وباقي الأراضي الفلسطينية حيث أنّ لها هناك بعداً أمنياً وبعداً سياسياً، بينما في القدس لها بعد وجودي. أي أنهم يعتبرون أنّ القدس لهم وأنه يمكنهم أن يُقيموا فيها ما يشاؤون ولهم الحق في البناء والتغيير والاستيلاء وأنّ العقارات الموجودة هي لهم وهم يريدون استرجاعها بكلّ الطرق من شراء أو تزوير أو احتيال... وبالتالي بداية الاحتلال كان بإلغاء أمانة القدس وبالتالي إنهاء أيّ مفهوم للبعد الإداري للحكم المحلي الفلسطيني المتمثل بأمانة القدس وإلغاء قانون الأنظمة والإدارة الأردني مما يعني إلغاء القضاء الذي كان موجوداً داخل القدس وأبقوا فقط على القضاء الشرعي لأنهم مضطرون لذلك حتى لا يدخلوا في قصة الصراع الديني.
فكلّ فلسفة الاستيطان الإسرائيلي في القدس هي إنهاء الوجود الفلسطيني. وهم في أزمة لأنه لم يتمّ تهجير الفلسطينيين من القدس في حرب عام 1967 وبالتالي اصطدموا بالوجود السكاني الفلسطيني مما أجبرهم على سنّ مجموعة قوانين في محاولة لمنع الفلسطينيين من البناء وهدم منازلهم وإلغاء إقاماتهم والتضييق على مؤسساتهم وفرض ضرائب باهظة وتضييق أمني واعتقالات وبكلّ الوسائل الممكنة بهدف إخراج المقدسيين من القدس.
ولكن الإنسان المقدسي آخذ في النمو والزيادة الديمغرافية والفلسطينيون في القدس يشكّلون اليوم نسبة 38.8 % من مجمل السكان في القدس الشرقية والغربية حسب الإحصائيات الإسرائيلية ومن المتوقع أنه في عام 2020 ستصل هذه النسبة إلى 50 % لأنه يوجد هجرة يهودية من القدس الغربية باعتبارها منطقة دينية فقيرة وبالتالي وبسبب تزايد أعداد اليهود العلمانيين فإن المتدينين يتركونها ويسكنون في مناطق أخرى. وبالتالي فالفلسفة أو الذهنية الإسرائيلية في التعامل مع الاستيطان تختلف في القدس عنها في مناطق الغور ونابلس وغيرها.
هناك جمعيتان تمّ صناعتهما من قبل الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ البرنامج وهما جمعية 'إلعاد' وجمعية 'عطيرت كوهين'، اللتان أصبحتا اليوم أهم أدوات الحكومة الإسرائيلية في السيطرة والهجمة على الوجود الفلسطيني.
على المستوى الفلسطيني نجد أنّ الموقف الرسمي يقول أنّ القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 هي عاصمة دولة فلسطين. وأيّ سياسي يريد التعامل مع قضية القدس يجب أن يكون أمامه خمس وثائق أساسية هي (1) صكّ الانتداب و(2) قرار التقسيم 181 والذي يتحدث عن مجلس وصاية خاص بالقدس و(3) اتفاق أوسلو وقرارا 242 و338 و(4) تفاهمات كلينتون و(5) قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. طبعاً يتخلّل ذلك قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي وباقي القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة.
قرار التقسيم تحدّث عن القدس كمنطقة دولية وشكّل لها مجلس وصاية مستقلاً وقال أنّ للقدس خصوصية تختلف عن الدولة العربية والدولة اليهودية. أمّا بخصوص تفاهمات الوزيرة كلينتون بهذا الخصوص فقد قالت بأنّ ما هو عربي عربي وما هو يهودي يهودي.
بما أننا نريد للقدس أن تكون عاصمتنا السياسية يجب أن نعرف أنّ أيّ عاصمة في العالم تكون مركزاً للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي مركز العمل الوطني. للأسف تأجيل موضوع القدس إلى مفاوضات المرحلة النهائية زاد من نسبة الاستيطان. فالاستيطان زاد في البداية بعد اتفاقية كامب ديفد في الضفة الغربية.
وبعد أن بدأ الحديث عن الحكم الذاتي في عهد حكومة الليكود عام 1977 و1978، على زمن بيغن، ثم ازداد أكثر بعد الـ1991 بعد مدريد وبعد عام 1994 ودخول السلطة الفلسطينية. وحالياً حسب إحصائيات صدرت في تقرير عن حركة السلام الآن، يظهر أنّ هناك زيادة في الاستيطان بنسبة 30% في العام 2011 في القدس بشكل خاص.
في نفس الوقت نحن فلسطينياً أجّلنا قضية القدس إلى المرحلة النهائية من المفاوضات. وهذا أعطى إسرائيل مبرراً جديداً للبحث في أدوات أخرى مستجدة من أجل القضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس لأنه لم يعد الحديث يدور الآن عن قلب المدينة القديمة والشيخ جرّاح وسلوان والحلقات الخمس التي ذُكرت في بداية الندوة، لأنها أصبحت أمراً واقعاً، ولكن اليوم أصبح الحديث يدور حول مجمع غوش عتصيون وكيفية إضافته إلى القدس الكبرى وكيفية إضافة معاليه أدوميم ومشروع E1 والبوابة الشرقية وغفعات زئيف، وبالتالي هم يفكرون في أن تصل حدود القدس حتى غور الأردن شرقاً ورام الله شمالاً ومدخل محافظة بيت لحم ومحافظة الخليل جنوباً.
وبالتالي تأجيل أوسلو لحلّ قضية القدس أعطى إسرائيل أدوات عمل جديدة ليس فقط للقضاء على حلم الدولة الفلسطينية وإنما ضمّ أراضٍ أكثر لمفهوم القدس الكبرى في مفهوم العقلية الإسرائيلية.
وهذا جعلها بالنسبة لهم مركزاً للتطوير وتشكيل لجنة للبناء تتمتع بصلاحيات لا تتمتع بها أيّ لجنة تنظيم وبناء في كلّ المدن الإسرائيلية. فهي صاحبة القرار ويخططون لمنحها صلاحيات أكثر. اليوم إذا أراد الفلسطيني بناء بيت في القدس، شرط أساسي أن يكون جزءٌ من ملكيته تابعاً للبلدية الإسرائيلية حتى يسكنه. وإن لم تكن هناك وزارة اسمها وزارة القدس في الحكومة الإسرائيلية، إلاّ أنّ كلّ الوزارات بالإضافة إلى البلدية الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية والقضاء الإسرائيلي كلّها تعمل لتنفيذ برنامج السيطرة على الأرض والسيطرة على ما فوق الأرض مما يضطرّ الفلسطينيين للهجرة الطوعية نتيجة كثرة الضغوطات.
في المقابل، هناك الذهنية الفلسطينية. إذا كنّا متمسكين بالقدس على أنها عاصمة، فإنه يجب أن تكون مركز عنواننا السياسي ومركز عنواننا الثقافي ومركز عنواننا الاجتماعي خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع الدولي الخاص بنا كفلسطينيين والموجود في القدس كما يوجد مقرات الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية ووكالة الغوث ومكتب الأمم المتحدة و9 قناصل دول أجنبية. وبالتالي كان يجب أن يكون المركز السياسي للعمل الفلسطيني هو تعزيز الدور الفلسطيني في القدس وذلك من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية، ومشاريع إسكانية ومشاريع بناء.
إن الأراضي التي يتم استغلالها والبناء عليها اليوم كان من الممكن أن نستغلها للبناء عليها في محاولة للحفاظ على النمو الديمغرافي الفلسطيني.
نحن نقلنا مركز الثقل السياسي الفلسطيني من القدس إلى رام الله، وكذلك مركز الثقل الاجتماعي، ونقلنا مركز الثقل الاقتصادي بحيث لم تعد القدس تشكل عنواناً اقتصادياً يوفر لنا ميزانيات للبناء فيها وترميم فنادقها أو أسواقها وبالتالي خلق الحرف اليدوية القديمة التي كانت موجودة فيها مجدداً وبالتالي يحدث هناك ارتباط مع تاريخها والوجود الفلسطيني.
إسرائيل أغلقت بيت الشرق وأغلقت الغرفة التجارية وأغلقت المؤسسات الفلسطينية في القدس. وفي الفترة من 2001 حتى 2008 تقريباً كانت القدس شبه غائبة عن العمل السياسي الفلسطيني، أي منذ اغلاق بيت الشرق حتى عام 2008 لم تعط القدس الاهتمام الكافي كعنوان للعمل الوطني والسياسي، وبالتالي إعادة الاعتبار للمشاريع لمواجهة الاستيطان.
هذه الفترة هي الفترة الأكبر التي حصلت فيها مشاريع اقتصادية في القدس وحصلت فيها عملية تسريب عقارات بما فيها عمليات بيع وشراء للأسف. وآخر بناية أخذت في جبل الزيتون وفي جبل المكبر وفي الفاروق كانت بيعا وشراء، وهناك طبعاً عمليات تزوير وأخرى بحجة أملاك الغائبين وغيرها.
كذلك عندما ابتعد المسلمون والعرب عن اعتبار القدس القضية الأهم أصبحت القدس في معركتها وحيدة ولا يدعمها سوى صمود سكانها في وجه الاحتلال.
الآن نحن عندنا وزارة ووزير للقدس في الحكومة الفلسطينية، وعندنا دوائر مختلفة في منظمة التحرير، وفي اللجنة التنفيذية وفي المجلس الوطني وفي المجلس التشريعي وفي الوزارات وفي مكتب الرئيس، ولكن أين القدس في برامج مواجهة الاستيطان؟ أين القدس في مشاريع الإسكان على سبيل المثال؟ يعني نحن اليوم لدينا 3 مشاريع إسكان جاهزة للبناء يستطيع أن يسكن فيها 200 عائلة فلسطينية جاهزة بتراخيصها وبأرضها وتحتاج حوالي 16 مليون دولار يمكن أن تتوفر بوجود وزارة القدس. ولكن موازنة هذه الوزارة ارتبطت بالموازنة العامة ولم نتمكن من البدء في البناء بسبب عدم فصل هذه الموازنة عن الموازنة العامة، مع العلم أنه تم تخصيص موازنة بقيمة 22 مليون دولار سنويا لهذه الوزارة لدعم المشاريع الخاصة بالقدس.
نحن لدينا أدوات ثقل قوية موجودة في القدس متمثلة في الوجود الفلسطيني الذي تعجز إسرائيل رغم كل امكانياتها عن إنهائه ولن تنهيه لأن هناك قراراً فلسطينياً لدى كل عائلة فلسطينية بالبقاء، وبالتالي إذا كانت القدس فعلاً أولى أولوياتنا، على السياسي التمسك بهذه الإرادة وترجمتها في ثلاثة أمور:
1- جعل القدس عنواناً سياسياً في العمل من خلال عقد الاجتماعات السياسية في القدس بما أنها عاصمتنا، يعني عندما يزور سياسي بارز رام الله يجب أن يكون في برنامج زيارته زيارة مؤسسات فلسطينية في القدس، وهذا ما جرى مع ينقولاي ساركوزي (الرئيس الفرنسي السابق)، ويمكن أن يتكرر مع أخرين إذا لجأنا إلى عملية ضغط سياسي في هذا الصدد.
2- على المستوى القانوني، نحن نحتاج إلى خبراء قانونين في القانون المحلي الإسرائيلي. وهذا يحتاج إلى دعم حقيقي لمعرفة الأدوات التي نستطيع استخدامها لأن المواطن المقدسي مضطر إلى التعامل مع القضاء الإسرائيلي وبالتالي يجب أن نوفر للمقدسي احتياجاته من محامين خبراء. ففي الشيخ جراح مثلا كل خسارتنا في القضية كانت بسبب المحامي الذي اعترف في عام 1982م باسم السكان بملكية الأرض للجنة اليهود الشرقيين ولجنة اليهود الغربيين، وبالتالي خسرنا القضية. وكذلك نحتاج إلى مختصين في القانون الدولي. ففي القانون الدولي لدينا أدوات. وأول خطوة يجب أن نقوم بها، بما أننا أصبحنا دولة بصفة دولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة، وأعضاء في اتفاقية جنيف، ونقدم طلباً لنصبح أعضاء في محكمة الجنايات الدولية والاحتكام للاتفاقيات الدولية الموجودة فيما يخص القدس والاستيطان.
هناك مجموعة قرارات صدرت عن محكمة العدل الدولية في لاهاي نستطيع الاستفادة منها. وهذا يحتاج إلى فريق خبراء مختصين في هذا الشأن. وبالتالي كل الموضوع مرتبط بالإرادة السياسية، والإرادة السياسية هي التي تستطيع الآن أن تتحرك في الاتجاهين: في الاتجاه السياسي القانوني وفي الاتجاه التنموي في القدس. طبعاً الإرادة موجودة ولكن حتى تترجم ذلك على أرض الواقع فإننا بحاجة إلى عمل مضنٍ لأنه لا مجال للعمل ببطء فيما يتعلق بالقدس.
في المجال التنموي الاقتصادي جهزنا الخطط والبرامج، وعندنا اليوم خطط تنموية جاهزة في مكتب الرئيس، وخطة استكمالية جهزناها في بكدار، وخطة جاهزة ومنشورة في كتيب عن المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في القدس. فالخطط جاهزة ولكن بحاجة إلى ترجمة إلى الواقع. فيجب أن نستغل وجود 9 قناصل دول أجنبية في القدس ونعيد تفعيل دورهم في مواجهة الاستيطان.
3- المسالة الأخيرة: والمهمة: العامل الشعبي، كيف تتحرك الطاقات الشعبية الموجودة في القدس مع رجال الدين الاسلامي والمسيحي، مع المجتمع المدني الموجود هناك لمواجهة الاستيطان.
* سامي مسلّم:
نقطة مهمة أود ذكرها وهي أن القناصل الأجنبية في القدس لا تقدم أوراق اعتمادها لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وإنما تقدمها إلى مجلس الأمن بموجب قرار 181 وهذه نقطة بحاجة للتأكيد عليها حتى يعرفها القراء وحتى السياسيون الفلسطينيون.
* يوسف النتشة:
بالنسبة للزيارات للقدس نجد أنه كلما كان المركز السياسي للزائر عاليا كلما كان من الصعب جداً أن يسمح الإسرائيليون له زيارة الحرم والمناطق الإسلامية. طلبت 'اشتون' ذلك، فرتبنا لها زيارة، وكذلك حصل مع وزير دفاع بلجيكا، وطلب وزير خارجية إسبانيا ذلك فرتبنا له زيارة. ولكن الثلاثة اعتذروا في اليوم التالي من طلبهم.
* عدنان الحسيني:
كثير من الزيارات تفشل للأسف بسبب القيود التي تضعها إسرائيل على مجرى الزيارة وتحديدها للأماكن التي تريد للزائر أن يراها، وتعيق برنامج الزيارة. فنحن كفلسطينيين نرفض القيود ويحصل ضغط إسرائيلي على الضيف الذي يجد نفسه مضطراً للاعتذار عن الزيارة كحل للأزمة.