
ضحايا العالم ... وأيتام العرب!
جريدة النهار
راجح الخوري
2012-10-18
هل هناك بعد من يتذكر فلسطين، قضية الامة وطبولها وشعارات انظمتها واقنعة زعمائها واحزابها؟
انه السؤال الاكثر ايلاماً الآن وقت تعجز السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب موظفيها ويقرع العوز ابواب مواطنيها بسبب الغلاء وليس هناك ما بين المحيط والخليج من يسدد المستحقات المقررة للسلطة الفلسطينية غير السعودية، بينما تهب رياح ربيع عربي تذرو الحد الادنى من الحس القومي مع القضية التي طالما شكلت محور وجدان العرب !
قبل يومين قرأت ما اسميه "مقال الوجع" وقد كتبه الديبلوماسي والمناضل الصديق باسل عقل في الزميلة "الحياة" وفيه يعرض الخلفيات الفضائحية التي انطوت عليها المذكرة الاميركية الموجهة الى الدول الاوروبية، بهدف قطع الطريق على الرئيس محمود عباس ومنعه من طلب الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة، والتي وصلت الى حد تكليف الاوروبيين التجسس على كل تحرك فلسطيني في هذا الاتجاه.
المغالاة في العداء السافر للقضية لا تتصل بالضرورات الصهيونية التي تمليها الانتخابات على ادارة باراك اوباما، الذي لم يفعل شيئاً لتنفيذ وعوده الزهرية حول مسألة الدولتين، فقد كشف عقل ان مبعوثاً اميركياً كان قد زار الرئيس عباس طالباً منه عدم القيام بأي تحرك يمكن ان يشوش عليه في الانتخابات الاميركية، كالمصالحة مع "حماس" او تقديم طلب العضوية الى الامم المتحدة، وابلغه بالحرف ان المطلوب "التوقف عن أي حركة"... ربما لأن الهدف الأبعد هو ان يتوقف الفلسطينيون حتى عن الحياة عينها وقد باتوا في هذه الايام التاعسة أيتام العرب بعدما كانوا ضحايا العالم وخصوصاً اميركا بعد بريطانيا وبلفورها!
لم تكتف المذكرة الاميركية بمطالبة اوروبا بمعارضة أي مطالبة بالدولة الفلسطينية بل امرتها بأن تفيدها عن أي محاولة يقوم بها عباس سواء معها او مع أي دول اخرى، بمعنى انها تريد من الاوروبيين ان يتحولوا جواسيس لها ولإسرائيل على الفلسطينيين.
والفضيحة انه رغم نشر محتوى المذكرة، لم يصدر ما بين المحيط والخليج اي بيان استنكار او تنديد او أي تعليق او لوم يوجه الى الادارة الاميركية، الموغلة في العداء لفلسطين وقضيتها اكثر من اسرائيل عينها. والمثير اكثر ان يقرأ المراقب مقالات وتعليقات تنحو باللوم على محمود عباس لأنه مثلاً لم يجد سبيلاً الى معالجة الازمة المالية للسلطة الفلسطينية!
لقد كانت القضية الفلسطينية منذ نصف قرن مطيّة الانظمة العربية والاقنعة "القومجية" لقادتها المظفّرين، وها هي الآن توضع على هامش "الربيع العربي" الذي لا ندري هل يحمل الزهور او الاشواك المتوحشة. فهل آن الاوان لربيع فلسطيني مختلف يخرج القضية من ردة التداول والاستغلال؟