سيناريو الأمس واليوم
جريدة الحياة الجديدة
7-10-2012
بقلم حافظ البرغوثي
قبل سنتين بدأت الحملة الإسرائيلية ضد الرئيس بشكل مكثف.. كانوا قبلها يسخرون منه ويقولون إنه ما زال خديجا وريشه لم ينبت لأنه لا يكافح ما سموه بالارهاب.. والمكافحة التي أرادوها سفك دماء وقتل لكنه عالج ذلك بدون ذلك ولم يعجبهم عدم اراقة الدماء الفلسطينية بأيد فلسطينية بعكس ما ارتكبته حماس في غزة وما ارادت تكراره في الضفة بطرق أخرى.
وفي جلسات عامة وخاصة داخل فتح قلنا إن من الواجب، ومنذ سنتين، حماية الرئيس لأن الحملة الإسرائيلية المكثفة أخذت طابعاً مشابهاً للحملة التي شنت على الرئيس الراحل الخالد أبو عمار بل صارت تستخدم المفردات نفسها.. مثل أبو مازن سيسقط قريباً.. يجب التخلص منه.. ليس شريكاً.. يدعم الارهاب.. لا يريد السلام.. ينكر المحرقة يريد المصالحة مع حماس.. الخ. فالثبات على الموقف وإن عاد علينا بحصار عربي ودولي ليس موضع نقاش لأن الرئيس الراحل عاد من كامب ديفيد وهو يحمل نصيحة تهديد مستقبلية من جورج تينيت رئيس المخابرات الأميركية مفادها أنك عائد إلى منطقة مضطربة خارطتها قابلة للتغيير.. وسيكون هناك دم كثير.. وستجد نفسك وحيداً محاصراً لا أحد يتصل بك. وهذا ما حدث بالضبط كسيناريو رسمه كبير المخابرات الأميركية. ولعله قيل للرئيس أبو مازن كلام مشابه كلما خطا خطوة سياسية نحو تثبيت الحق الفلسطيني.. سواء بالتوقيعات المتتالية على المصالحة التي تراجعت حماس عنها.. أو بحضور مؤتمرات والدخول في معمعان الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو عرض الاستيطان والقدس على مجلس الأمن.. الحصار العربي والدولي الذي كان يتكرر حالياً والهجمة نفسها بألسنة جديدة والمتآمرون كثر من كل حدب وصوب، بعضهم منا وفينا وبعضهم منا وفيهم وبعضهم فيهم وفيهم.. وهنا لا بد من القول من مأمنه يؤتى الحذر.
ليس أبو مازن كائناً سياسياً منقطع النظير في شعبنا ولكنه خيارنا الديمقراطي نحن من انتخبه ونحن من نغيره وليس غيرنا.. كالمدعو ليبرمان، فالاحتلال بعظمته طوال عقود من القمع لم يستطع فرض سوى مخاتير وعملاء علينا وتبخروا ولم يستطع تنصيب قائد لنا.. فالقيادة نتاج شعبي وطني خالص وليست املاء من أحد خارجي.. ولعلني أذكر هنا كيف أنني انتقدت عند بدء الحملة على الرئيس الراحل الخالد أبو عمار صمت مسؤولينا وفصائلنا وكتبت في هذه الزاوية آنذاك أن هذا البعض يقدم أوراق اعتماده إلى واشنطن واسرائيل باعتبار ما سيكون والآن أكرر أن الحملة الظالمة ضد الرئيس يجب أن تواجه بحملة مضادة من الجمع الفلسطيني بألوانه وشرائحه لأن من يريد بنا شراً يبدأ من الرأس عادة حتى تتغلغل سكينه لاحقاً في رقابنا فالصمت تجاه المؤامرة هو تقديم أوراق اعتماد للمستقبل المظلم فالكل مطالب بأن يقول كلمته ولا يصمت لأن الرأس المطلوبة هي رؤوسنا جميعاً الناطق والصامت المعارض والمؤيد.. فالسيناريو بالأمس يريدون تكراره اليوم فهل نحن في مستوى التحدي؟. ولعل الرئيس فقط هو القادر على أخذ زمام المبادرة وفق قناعاته وليس قناعات الآخرين، ففي الأوقات الصعبة لا بد من قرارات تاريخية حاسمة من ابداع فكر خلاق تستند الى تراث عظيم من النضال والتضحيات ومفتوحة على كل الاحتمالات، فالوضع المحيط أشبه ما يكون بالفلتان الأمني والسياسي والاقتصادي الذي سادنا ذات سنين لكنه الآن من حولنا وليس عندنا وعلينا أن نعبر المرحلة بحرص حتى لا نغرق في دمنا مثلما غرق الآخرون.. فهل من متعظ؟