التاريخ : الخميس 28-03-2024

ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 32552 والاصابات إلى 74980 منذ بدء العدوان    |     في اليوم الـ174 من العدوان: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال مناطق متفرقة في قطاع غزة    |     أبو هولي يرحب: التمويل الألماني للأونروا غير مكتمل طالما يستثني قطاع غزة    |     "الخارجية": إطالة نتنياهو أمد الحرب وتعميق نتائجها الكارثية هروب من استحقاقات حل الصراع    |     هيئة الأسرى: صراخ الأسرى يملأ الممرات في سجن نفحة    |     العدوان متواصل لليوم 173: عشرات الشهداء والجرحى جراء قصف الاحتلال مناطق متفرقة في قطاع غزة    |     ثلاثي مميت ينهش أطفال شمال قطاع غزة    |     أبو ردينة: بعد قرار مجلس الأمن وعزلة إسرائيل حان الوقت لوقف العدوان والاعتراف بالدولة الفلسطينية    |     ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 32414 شهيد و74787 إصابة    |     الخارجية: حرب المستشفيات برهان على مخططات إبادة شعبنا    |     "التربية": 5881 طالبا استُشهدوا و408 مدارس تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    |     21 معتقلا في عيادة سجن "الرملة" يعانون أوضاعا صحية صعبة    |     "الخارجية": الهجوم الإسرائيلي على قرار مجلس الأمن يكشف أهداف نتنياهو غير المعلنة من الحرب    |     الاحتلال يعتقل 30 مواطنا من الضفة    |     شهداء وجرحى بقصف صاروخي ومدفعي في محيط مستشفى الشفاء    |     مجلس الأمن يعقد جلسة مفتوحة بشأن فلسطين اليوم    |     تونس ترحب بتبني مجلس الأمن قرارا يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة    |     البرلمان العربي يرحب بقرار مجلس الأمن الداعي لوقف فوري لإطلاق النار في غزة    |     الاحتلال يستهدف غزة وبيت لاهيا بالأحزمة النارية وعشرات الشهداء والجرحى في رفح    |     جنوب أفريقيا ترحب بتبني مجلس الأمن مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة    |     "الهلال الأحمر": خروج مستشفى الأمل في خان يونس عن الخدمة    |     رئيس الوزراء المكلف يلتقي وزيرة خارجية ألمانيا    |     المقررة الأممية ألبانيز تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة عدة في غزة    |     ميقاتي يرحب بقرار مجلس الأمن القاضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة
الصحافة الفلسطينية » غياب الرؤية الإستراتيجية
غياب الرؤية الإستراتيجية

 غياب الرؤية الإستراتيجية

جريدة الايام

1-10-2012

بقلم د. عاطف أبو سيف

أكثر شيء لفت الانتباه بعد خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة هو ردود الفعل عليه. الخطاب الموزون بدقة والمصاغ بعناية والمعبّر بكثير من الألم عن الحالة الفلسطينية مسّ كل مستمع خاصةً إذا كان فلسطينياً ويمتلك تلك الذكريات الأليمة والأحلام المكسرة التي أشار إليها أبو مازن في قطعة أدبية عن اللاجئين على إيقاع "مأساة النرجس ملهاة الفضة" عندما قال:

"ماتوا وهم يصونون في ذاكرتهم وفي قلوبهم الذكريات الحميمة عن عالمهم الجميل الذي دمر، وبيوتهم الدافئة التي هدمت، وقراهم الوادعة التي محيت عن الوجود، وعن نهضة حواضرهم التي قوضت، وعن الأحباء والأعزاء من الرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا في الحروب والمجازر والاعتداءات والغارات والاجتياحات، وعن بلاد جميلة كانت منارة للتعايش والتسامح والتقدم وتلاقح الحضارات، ماتوا في مخيمات التشريد واللجوء التي طردوا إليها بعد اقتلاعهم من أرضهم وهم ينتظرون لحظة يستأنفون فيها حياة توقفت، ويكملون فيها رحلة تقطعت، ويرممون أحلاماً تكسرت".

الخطاب مس شغاف قلوب الفلسطينيين وهو سياسياً قدّم مقاربةً وطنيةً تصلح لأن يجتمع عليها الكل الوطني في تحديد بوصلة المرحلة القادمة خاصة أنه لم يكن ردة فعل أو تصرفاً لحظياً بل هو استمرار لموقف تصاعدي طوره أبو مازن منذ تشرين الأول 2010 حين اشترط استئناف المفاوضات بوقف الاستيطان وهو استكمال للخطاب في العام السابق.

أثار الخطاب حنق كل خصوم أبو مازن خاصةً في إسرائيل التي بدا خطاب نتنياهو أمامه ضعيفاً ومجرد خزعبلات تاريخية مغرقة في التأليف وتهديدات مرتبطة بإيران وبخطاب نجاد. بذلك بدت الرواية الفلسطينية قوية ومتماسكة وقادرة على الإقناع وعلى تقديم نفسها بوصفها المنطق والقلب ونجحت في استلاب عقل الحضور مقابل رواية إسرائيلية هزيلة قدمها نتنياهو فاقعة في كذبها وفي استنادها إلى حق غير موجود. بذلك فقد ارتقى الخطاب الفلسطيني إلى قمة تصاعدية جعلت من الرواية الفلسطينية مادة بشرية وليست نصاً دينياً مزيفاً. وهو خطاب كان قد بدأه الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1974 حين بدأ الهجوم الفلسطيني الحقيقي على الرواية الإسرائيلية المزيفة. وهي رواية انطلقت من التفاخر بفلسطين بوصفها بلد الحضارات موطن محمود درويش وإدوارد سعيد. رواية الحق المعاصر المسنود بحق تاريخي غير مزيف.

لكن المؤلم أن يقف البعض خاصة في "حماس" وبعض قوى اليسار لكي يسب على الخطاب ويختار له جملة من التهم من بين قائمة جاهزة يتم عادة العودة إليها كل مرة للسب والنقد. من الطبيعي ألا تتفق حماس مع كل ما جاء في الخطاب ولا باقي الفصائل لكن ليس من الطبيعي انتقاد الخطاب لأنه "انفرادي" أو لأنه ذكر بالمفاوضات. إن من يدفن رأسه في الرمل لا يقدر على قيادة شعبه ومن لا يفهم طبيعة عمل المجتمع الدولي لا يمكن له أن يكون مؤثراً فيه. فالخطاب سنوي وهذه خطبة سنوية لا يمكن لها أن تنتظر حتى تنتهي مفاوضات الحوار الوطني التي صارت أطول من عملية السلام نفسها كما أن الإشارة لممكنات التفاوض ليست إلا وفق الشروط الفلسطينية.

لكن ليس هذا ما وددت الإشارة إليه حين تعرضت لمواقف حماس واليسار من الخطاب بل إن ما لفت انتباهي كمواطن عادي يتعرض لويلات الانقسام ويعاني منها كما لويلات ضياع الحقوق الوطنية هو عجز الكل الفلسطيني عن تقديم بديل أو تصور إستراتيجي لمخرج إستراتيجي للأزمة. الكل ينتقد أبو مازن ويستخدم عبارات جارحة ولكن لا أحد يملك الرؤية لتقديم تصور إستراتيجي يساعد في الخروج من الورطة السياسية. هل يريد أحد أن يشخص الواقع، إليكم الحقيقة:

لا سلام حيث إن الاستمرار في طريق السلام بهذه الطريقة يعني تضييع المزيد من الحقوق وإعطاء إسرائيل ذريعة وفرصة لتواصل مصادرة الأراضي وتهويد المدن وابتلاع الموارد. وهي مسؤولية يتحمل المجتمع الدولي جزءاً منها بسبب صمته.

لا مصالحة وطنية، حيث لا أحد يعرف حتى الآن كيف يمكن إقناع حماس بأهمية الانتخابات كمخرج إجباري كي تعاد الكلمة للشعب ليقرر مصيره بيده، لأن شعباً تصادر حريته في الاختيار لا يمكن أن يحقق حريته من الاحتلال.

لا مستقبل وطنياً فغزة صارت تتجه جنوباً ومصالح غزة لم تعد مرتبطة بالضفة ولا بفلسطين التاريخية وجل اهتمام الحكم في غزة هو استقلال غزة وربطها بأجوائها الإقليمية وربما دون قصد أو به فثمة رؤية إسرائيلية شهيرة للحلول الإقليمية كبديل عن حل الدولتين.

لا اقتصاد ولا مال، فالدول المانحة التي ترى في تمويلها للسلطة تمويلاً لعملية السلام وفق مقررات البنك الدولي ووثيقته الشهيرة عام 1993 "الاستثمار في السلام" تتلكأ في الإيفاء بالتزاماتها للضغط على السلطة للتراجع عن جهودها الدبلوماسية.

الوضع العربي ليس بأحسن حالاً. العرب مشغولون بأنفسهم ونظمهم السياسية غير المنجزة وكل الحديث عن أثر الربيع العربي على القضية الفلسطينية بحاجة لإعادة نقاش حتى لا يزال تفكيراً وتحليلاً رغبوياً قائماً على المشتهى والمتمنى.

يمكن لهذا التشخيص أن يستمر عشر صفحات أخرى من صفحات هذه الصحيفة، لكن يكفي المتابع أن يتلمس حالة اليأس التي تعم المواطنين في داخل الوطن وفي الشتات من الوضع الفلسطيني ومن ممكنات تحسنه.

إزاء كل ذلك وعلى اعتبار أن أبو مازن مخطئ وكل شيء يمكن قوله، هل يملك أحد رؤية عملية قائمة على المنطق والحقوق وليس على البلاغة والمجاز. خطة تقول لنا واحد زائد واحد يساوي اثنين وليس أحد عشر ولا مليون. رؤية إستراتيجية قادرة على موضعة المنجز ضمن الممكن وليس ضمن الحلم الجميل. لذا فإن هذه الرؤية الوحيدة المتاحة هي ما اقترحه أبو مازن في مجمل خطابه والذي مرة أخرى يصلح وثيقة وفاق وطني يجمع عليها الكل الفلسطيني لتكون منطلق عمل وطني جديد يساهم الجميع في تحقيقه.

 

2012-10-01
اطبع ارسل