
العالم يغني «موطني» .. الحناجر في مواجهة البنادق
كتب يوسف الشايب: عند السادسة من مساء أول من أمس، انطلقت الحناجر الفلسطينية والعربية، وحناجر متضامنين في مدن فلسطينية، ومخيمات للاجئين في عواصم عربية، وعدة عواصم أوروبية ومدن أميركية، صادحة بكلمات لربما حين كتبها الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان لم يكن يعلم أنها ستكون النشيد الموحد للكل الفلسطيني، ولكل تواق للحرية في العالم. صدحت الحناجر "موطني موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك، والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك"، قبل أن يتساءلوا والدموع تختلط بالأصوات، وتسح على الوجنات الطرية والخشنة في آن، بينما ترتفع الأعلام الفلسطينية في أيديهم، وخفاقة حولهم في الميادين المختلفة.. "هل أراك هل أراك سالماً منعماً وغانماً مكرماً.. هل أراك في علاك تبلغ السماك تبلغ السماك.. موطني موطني". توحدت الحناجر الصغيرة والشابة وتلك التي تغمرها تجاعيد الزمان، تلبية لمبادرة "لنغني موطني معاً"، رغم الأمطار الشديدة في عديد المدن الفلسطينية، حول النشيد الجمعي، كما وصفه الكثير من المشاركين، والذي لطالما ارتبط بفلسطين، رغم تحوله قبل سنوات لنشيد وطني للجمهورية العراقية .. في القدس، ورام الله، وغزة، ونابلس، وجنين، وسلفيت، وأريحا، والخليل، وأم الفحم، وحيفا، وعكا، والناصرة، ويافا، وبيت لحم، وكفر قرع، وكفر مندا، والعيزرية، وغيرها، علاوة على مخيمات اللاجئين في لبنان، وعدة تجمعات فلسطينية ومتضامنين أجانب مع الفلسطينيين، شاركوهم غناء "الشباب لن يكل همه أن يستقل أو يبيد"، في المدن الفلسطينية بتوزيعاتها الجغرافية، وفي عواصم أوروبية وأجنبية من أبرزها الولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد أمام البيت الأبيض في واشنطن، وكندا، وفرنسا، ودول أميركا الجنوبية، بمشاركة شخصيات سياسية وفنانين. وحول "لنغني موطني معاً"، قالت ربى مسروجي، إحدى القائمات على المبادرة لـ"الأيام": المبادرة جاءت بطريقة عفوية من مجموعة فلسطينيين غيورين على وطنهم، وشعروا بأن عليهم أن يقوموا بشيء ما تلفت أنظار العالم إلى ما يحدث في فلسطين، لعلهم يصنعون فارقاً ما، والأهم برأيي هو كيف توجت المبادرة بالنجاح، وتمكنت من أن تجوب العالم، وتخترق الحواجز التي يصر الاحتلال على وضعها بين أبناء الوطن الواحد، لافتة إلى أن "المبادرين كثر، ومن جميع أنحاء العالم، وهم في غالبيتهم لا يعرفون بعضهم البعض"، حتى ما بعد إتمام المبادرة التي كانت تتطلب ترتيبات كثيرة لتخرج على ما خرجت عليه، حيث كان التواصل الكترونياً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأضافت مسروجي: ما ميز مبادرة "لنغني موطني معاً"، أنها انطلقت من فلسطين، ولم ترتبط بأية جهات رسمية أو أحزاب أو فصائل، كما لم ترتبط بأية مناسبات وطنية، فكان يوم "موطني" ... رسالتنا أننا نحن الفلسطينيون موحدون مهما حاول الاحتلال تفريقنا ما بين ضفة وغزة وقدس ومناطق الـ 48 ومخيمات اللاجئين والشتات، وصتنا واحد، ونحن دعاة للحرية، ونرفض الظلم الذي نتعرض له من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقواته. وشددت مسروجي أن هذه المبادرة، التي هي واحدة من مبادرات لا تنتهي ابتكرتها العقول الفلسطينية كنوع من النضال بجانب الكفاح المسلح وأشكال النضال الأخرى، كانت مهمة للفت أنظار العالم إلى ما يحدث في فلسطين الآن، وفرصة لتحرك مناصري القضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.. "رسالتنا أننا شعب نحب الحياة، وأننا مع كل أشكال المقاومة السلمية ضد الظلم الذي نتعرض له". وحول اختيار نشيد "موطني" بدلاً من السلام الوطني الفلسطيني "فدائي"، وهو تساؤل انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أجابت مسروجي: فدائي هو سلامنا الوطني الذي بدأنا فيه فعاليات المبادرة أينما تمت، ولكن الفعالية تمحورت حول هذا النشيد الذي تعبر كلماته عن "مشاعر كل واحد فينا من ناحية حب الوطن، والتجذر فيه، والتمسك بترابه، وتوقنا إلى الحرية والوحدة، وغيرها من المعاني التي تمسنا كفلسطينيين.. بكل بساطة اختيارنا لموطني كنشيد كونه يعبر عما نريد قوله في هذا الوقت، وليس بالمطلق، ولا يمكن أن يكون، تخطياً للسلام الوطني الفلسطيني (فدائي). بدوره شدد حكيم فقهاء، أحد الفاعلين في المبادرة، وفي حديث مع "الأيام"، على أهمية هكذا مبادرات على الصعيد الوجداني، والوطني، وحتى الاجتماعي، مشيداً بالجهود المبذولة لإنجاحه ليس فقط على مستوى فلسطين التاريخية، بل على مستوى العالم، وهو ما حدث إلى درجة كبيرة، وأن أهم ما فيه لربما حالة التوحد حول هذا النشيد، ولفت أنظار العالم إلى أن ثمة ما يحدث في فلسطين، في محاولة لإعادة البوصلة الإعلامية والسياسية والشعبية لتتجه نحو فلسطين وقضيتها. ومن أبرز المطربين الفلسطينيين والعرب الذين شاركوا في الفعالية بشكل مباشر، الفنانين: عمار حسن، ورائد كبها، ومراد السويطي، وسيدر زيتون، وهيثم خلايلة من مخيم برج البراجنة في لبنان، والمطرب اللبناني معين شديد، في حين شارك محبوب العرب محمد عساف بمقطع صوتي لنشيد موطني على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهو الذي كان شجع الجميع، وعبر ذات الصفحة، وكل من مكان تواجده على المشاركة في مبادرة "لنغني موطني معاً"، هذه المبادرة التي تفاعلت معها العديد من المؤسسات الأهلية، والمراكز الثقافية والفنية، وحتى المدارس. انهمر المطار بكثافة، وانهمرت الدموع معها، فيما بقي الصوت عالياً، في سباق مع صوت الرعد، والوجوه تتلألأ أملاً بمستقبل مشرق، وليس انعكاساً لضوء البرق فحسب، مرددين "لا نريد لا نريد ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا"، و"نستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيد"، خاتمين النشيد بما يختم "يا هناك في علاك قاهراً عداك قاهراً عداك .. موطني موطني".